بين المتخيل
والأسطوري
تفكيك أولي لبناء
النص في رواية
(طوق السراب)[1]
ليحيى بزغود
إنجاز:
د. محمد دخيسي
تقديم:
بين التخيُّل والأسطورة برزخ معرفي، وكثيرا ما نعثر عليهما متلازمين بالرغم
من خصوصية كل منهما. وحتى نستطيع تسليط الضوء على رواية (طوق السراب) ليحيى بزغود
من خلال مفهومي التخيل والأسطورة؛ لابد من التركيز عليهما قليلا.
إن الحديث عن مشتقات فعل خيل كما جاء في لسان العرب يحيلنا على المقصدية
المتوخاة من وراء عنونتنا (التخيُّل)، إذ يقال: "تخيَّل له أنه كذا، أي
تشبَّهَ وتخايل، يقال: تخيَّلْتُهُ فتخَيَّلَ لي، كما تقول: تصوتُه فتصور
لي."[2]
وقد ورد في القرآن الكريم قوله تعالى: ﴿قال بل ألقوا، فإذا حبالُهم وعِصِيُّهُمْ يُخَيَّل إليهم
من سحرهم أنها تسعى﴾ طه/ 66.
فالتخيل مرادف للتصور غير الحقيقي، أو بعبارة أخرى اعتماد الخيال لتبني صورة غير
حقيقية. والخيال في الغالب يكون أحد ثلاثة مستويات العجائبي والغرائبي كما ذهب إلى
ذلك تودوروف، إذ تنتقل من :"العجائبي السائد في مجتمعات تعتقد فيما وراء
الطبيعة، حيث الغيبيات والسحر والكائنات غير المنظورة، إلى الشكل الخيالي تماما أو
الخالص الذي ليس له تفسير، ثم إلى الغريب الذي يفسر كل أشكال الغرابة التي تنتجها
القوى اللاشعورية."[3]
إلا أن التخيُّل الذي اخترناه إنما هو: "قوة نستعيد بها نوعا أو عدة
أنواع من الصور والتي قد تكون بصرية أو سمعية أو ذوقية أو شمية أو لمسية، وتختلف
قوة التخيل بين الأشخاص، ووظيفة التخيل الرئيسية والطبيعية هي استعادة الصور التي
يحتاجها العقل في التفكير إلا أن وظيفته لا تقتصر على الاستعادة فقط، بل تتعداه
إلى الابتكار حيث يقوم التخيل في هذا المستوى بالتفريق بين الصور والمعاني ثم
التأليف بينها على هيئة جديدة لم يدركها الحي من قبل."[4]
لذلك فالحديث موكل إلى تبني القصد من التخيل، إذ يتحدى التصوير إلى ابتكار صور
جديدة والتأليف بينها حتى تظهر في شكل غير مدرك سابقا.
إذا انتقلنا إلى الأسطورة، فهي أوسع دلاليا وتاريخيا: "إذ هي توحي
بالعطاء المجنح للعقل الإنساني.. توحي بالحلم حين يمتزج بالحقيقة، وبالخيال وهو
يثري واقع الحياة بكل ما يغفله ويطويه، وفي إسار من الوهم يخفيه ليخلق منه دنيا
جديدة هي شعر الأحداث، وتهويم الطموح الإنساني نحو المعرفة ونحو المجهول."[5]
لذلك فالعلاقة بين الخيال (التخيل) والأسطورة قائمة على مبدإ التضمن،
"فالأسطورة تمتد عبر مدى جغرافي عريض أو فسيح، وقد تحيط بالعالم كله أو
تشمله، بل قد تشتمل على عوالم مختلفة أيضا.. أما الحكاية الخرافية فإنها غالبا
تشتمل على مدى جغرافي محدود يتعلق بقرية واحدة أو غابة معينة مثلا."[6]
بعد هذه التعاريف، نصل إلى الرواية العربية التي اختارت في كثير من محطاتها
التوغل إلى غابات الأساطير، تمتح من رفاتها، وتتغذى بأهوائها وأشلائها. فأضحت
الرواية الجديدة باحثة عن تجاوز كل جاهز واختراق للواقعي والموضوعي، لذلك عمد
بناؤها إلى: "الربط بين الظواهر، ورفض العلية والسببية في بناء الأحداث
وتمرده على جماليات الوحدة والتماسك والنمو العضوي، وتحطيمه مبدإ الإيهام
بالواقعية."[7]
من هذا المنطلق نلج عالم (طوق السراب) ليحيى بزغود، وهو عالم يجمع بين ما
هو متخيَّل وما هو أسطوري، وبما أننا اعتبرنا التخيل متضمنا في الأسطورة، فنقول إن
الرواية ذات أبعاد دلالية متعددة تتجزأ إلى دوائر علاقات تربط الشخصية بالمكان
حينا، وبالحدث حينا آخر، وبالمقصدية التي تعقد الصلة بين المنتج والمتلقي تارة
ثالثة.
تتضمن رواية (طوق السراب) ليحيى بزغود علاقات ثلاث، سنعتمد عليها لاستخلاص
ثلاث دوائر علاقات هي كالتالي:
1- الأسطورة والشخصية.
2- الأسطورة والمكان.
3- الأسطورة والحيوان.
ولعلنا انطلقنا من تقسم أنواع الأسطورة عند فاروق خورشيد[8]،
حين جزأها إلى الأسطورة العقائدية وأسطورة الشخصية وأسطورة المكان، والحيوان في
الأسطورة العربية إلى جانب أساطير الخوارق. لكننا حاولنا أن نبحث عن أهم العلاقات
الموجودة داخل الرواية، لنسلط عليها الضوء بالبحث والنمذجة.
1- الأسطورة والشخصية:
يتحدد مفهوم الشخصية في رواية (طوق السراب) من حيث مضمون الحضور والغياب،
فالنص يوحي بوجود شخصية، هي في الأصل موجودة في خيال سكان القرية، ومرتبطة بحديث
حيواني متخيل.
بدأ النص بسرد عصام لعزوز حكاياتٍ مرتبطةً بقريته ، وهي حكايات تتوزع بين
الحقيقي والمتخيَّل، وتتلخص في قصة الشاب الأمير كونه اختير أميرا على قومه رغما
عنه، لما عهد فيه من تقوى واتزان شخصية وعدل ومساواة، وكان من بين شروطه عدم تقاضي
أجر عمله بل يكون متطوعا ومتى أراد الانسحاب والاستقالة كان له ذلك، وكان يقول:
"إذا رأيتم فيَ اعوجاجا فقوموني"[9]
وهو قول مأثور عن أحد الأئمة الخلفاء الراشدين، في ما يروى عن عمر بن الخطاب في
بعض المراجع حيث يقول رضي الله عنه: (إن رأيتم مني اعوجاجا فقوموني بالسيف) كما
يرجعه البعض الآخر إلى أبي بكر وغيره. ما يهمنا هنا أن الإشارة بالسياق واضحة إلى
كون المستهدف من قول الروائي في النص هو أحد الخلفاء الذي عرف بعدله وتحقيقه
المساواة بين الناس، وهو في الرواية حكم فترة اتسمت بالمصالحة بين أفراد قومه إلا
أن تاجرا من بني الأخنس لم يرضه ذلك؛ إذ ساوى الملك بين الوجيه والوضيع وبين الغني
والفقير والحسناء والشمطاء.. ويروى أنه: "لم تمض غير أيام قليلة، حتى اختفى
الأمير، فلم يعثروا له على أثر ولم يعرفوا له قبرا إلى اليوم... لكن بعض أدعياء
العلم والحكمة يزعمون أن الأمير ما يزال حيا، يعيش تائها بين القبائل إلى اليوم!!.."[10]
من هنا تبدأ "أسطرة" هذه الشخصية، فالدائرة السردية قائمة على البحث عن
الأمير الحاضر/ الغائب: الميت طبعا، وهو الأمر الذي تكلف به حماد من بني السطل
الذي غادر القرية بعد أيام قلائل من زواجه من ابنة خالته "منانة"[11]،
لتنتقل الحكاية إلى شكل خرافي عجائبي في جانب أسطوريتها، ذلك أن "دنيا"
أخت حماد كانت تصعد كلما اشتاقت إلى أخيها إلى جبل ألغم لتنظر في عينه السحرية
بحثا عن مسير أخيها. وقد وجدته أخيرا يتسكع بين القبائل بحثا عن الأمير.
من هنا تبدأ رحلته عبر مجاهل الصحراء، يخترق نجودها وتلالها بحثا عن
الأمير، وفي كل قبيلة يصادف نوعا من التحدي فيهزمه، ويصارع كما صارع سيزيف كلما
أنهى مغامرة يجد أمامه صخرة مغامرة جديدة.
كان المستهل مع قبيلة بني شيبان التي استضافه أهلها وأكرموا وفاده، إذ اشترطوا
عليه أن ينازل العجيلان فانتصر عليه وكاد يقطع رأسه لكنه تغاضى عن ذلك ليتركه حيا.
فيعطوه هدية ذلك بقول زعيم بني شيبان: "خذ سيف العجيلان، وعقاله أنت أولى
بهما في هذه المفاوز... رافقتك السلامة أنت فارس العرب."[12]
بعد بني شيبان، أتى دور بني سعدان، وقد تمكن الروائي من بسط السرد بطريقة
تلفت النظر، معتمدا لهجة خليجية صرفة، فكان لحماد نصيب من القوة بعد المبارزة، لكن
هذه المرة خصت جانب الفحولة عنده، بالرغم من تأكد دنيا -التي تراقب مغامرته عبر
العين الساحرة- من فشله حين لاحظت عدم تساوي الفرص بين أخيها والدحيديح. فينتهي
الأمر بنزع دكة هذا الأخير وتقديمها لحماد، وتعلو زغاريد النساء وصياح الرجال
يقولهم: "وقع الدحيديح...سقط الجبان... أنزعوا دكة الدحيديح... ليقعد مع
الحريم... أنزعوا حزام المأبون!.."[13]
ثم توالت الرحلات لسنوات طوال إلى أن وصل إلى فضاء بني النضير حيث وجد الملأ من
قبائل مختلفة تبحث عن الأمير المفقود، فكان الشاب "الحيطيست" أبو بشارة
ذو العشرين سنة (تقريبا) يخبر حمادا أن شيخهم أبا زيد الكطرة أخبرهم أن أميرهم لا
زال حيا وهو يبحث عنه. وتنتهي الحكايات بدعوة زعيم بني النضير الكل بقوله:
"أما السر الذي اكتشفه شيخنا فهو كتابة بعض آيات القرآن الكريم بالدم مقلوبة
من اليسار إلى اليمين، ومحوها في الدم، وشرب قليل منها.. فوالله يا إخواني لا يداو
منَّ أحدكم على شرب التركيبة حتى يراه رأي العين، قائما على المحجة البيضاء!.."[14]
وفي هذا إشارة إلى إراقة الدماء، واعتماد التعويدة السخرية التي يخالطها الحرام
بتحريف كتابة الآيات القرآنية، ثم شرب قليل من الدم، إلى جانب إشارة لاحقة تؤكد
تورط زعيم القرية مع عناصر أجنبية. أما حكاية حماد فتحط رحلتها بعودته إلى قريته
بعد أن ضاع لفترة بين الربع الخالي. وسنعود إلى بسط فكرة العودة حين نربط بين
أسطورة الشخصية وأسطورة المكان.
نخلص من هنا إلى أن أسطورة الشخصية تتحدد عبر آفاق ثلاثة:
أولها: البعد السيزيفي، حيث تحول حماد إلى باحث عن الأمير الضائع/ الميت
بتخطيه عقبات الفيافي والصحاري، وكشف قوته الجسدية وفحولته لتخليص نفسه واستمرار
رحلته. وهنا ينبع سر ضعف بني يعرب وهي إشارة إلى العرب حيث أصبح هدفهم البحث عن
عمر أو غيره من الخلفاء المعروفين بالعدل، بدل البحث عن العدل ذاته والتسليم بأمره
وحضوره في حياتهم.
ثانيا: الأمير الضائع، إذ أنه أمير أسطوري/ حقيقي في واقع قديم يتحدث عنه
الكل بملكاته وذكائه وعدله، وهو المبحوث عنه من قبل كثير من القبائل، وكل شيخ يحث
أبناء قبيلته على استحضاره وتأكيده على حياته.
ثالثا: أسطورة البقاء، مع بقاء حماد حيا، بالرغم من ضياعه وسط الربع
الخالي، وتحوله فور اختفاء الناقة، في حين يبقى أمر الأمير محيرا.
2- الأسطورة والمكان:
حين نتحدث عن المكان، فإننا نقصد من ورائه كل ما يرتبط به من جماد ومتحول
لجماد. فالجماد هنا هي الصحراء التي يتحرك وسطها شخصيات الرواية بحرية، بالرغم من
كونها ذات أبعاد طقوسية مختلفة، تتحول من طقس البحث عن الفارس، إلى طقس البحث عن
الفحل إلى غيره. وكل الأمكنة دليل على وفرة الجانب الخرافي والتخيلي لدى كل قبيلة،
مما يفرز كثيرا من الحكايات الأسطورية التي تنبئ بكون الشعوب تعيش وسط ركام من
الأقاويل التي تجعلها ترزح في جهلها، ويتساقط أبناؤها جرحى وقتلى جراء صراعات
شكلية وأخرى عصبية تمُّت أساسا إلى دواعٍ ترابية (حدودية) أو مائية (صراع حول
منابع الماء)، أو سلطوية (بحث عن السلطة والمنصب).
أما عن المكان المتحول، فنرمي به أسطورة (ألغم)[15]
الذي تحول من جمل كما تدعي بذلك أسطورة بني يعرب.
يتحدث عصام إلى عزوز قائلا: "أهل القرية وكل قبائل بين يعرب يتداولون
خرافة تقول إن الجمل برك منذ قرون بالمكان... أفاق الناس ذات صباح فوجدوا
"ألغم" رابضا يسد أفقها ويعزلها عن باقي أرجاء الدنيا، وهو يعتقدون
جازمين أن "ألغم" سينهض يوما ما... سينهض إذا حضر أميرهم الأول الذي
اختفى في ظروف غامضة؛ ويتشبث تجار القرية بهذه الأسطورة كحلم واه قائلين.. إذا رحل
"ألغم" تخلو المسالك أمام القادمين من الجهة الغربية وراء الجبل...
فيكثر وفود القبائل وتتوزع عروض التجارة وتتنقل الأخبار."[16]
يشير هذا النص إلى جملة قضايا تهم مبحثنا، نذكر منها أسطورة
"ألغم" المرتبطة بالمكان الذي ربض به، وهي إشارة إلى الغم والهم الذي
صار رابضا حول الأمة العربية، وهو دليل أيضا على علاقته بمضمون العدل والمساواة
التي جاء بها الأمير الضائع/ المبحوث عنه، ورجوعه إلى أصله ثالثا ذو علاقة بعودة
الأمير.
ونلاحظ أن الجَمَل الرابض بالقرية غاب ليلة حين أحس القوم بزلزال عنيف يهز
المكان، وارتبط غيابه بعودة حماد، الذي كان يتفوه بكلام غريب، وهو الكلام ذاته
الذي ذكر عن الأمير الضائع: "كان حماد، يصيح: هف... هف إذا رأيتم فيَّ
اعوجاجا فقوموني!.."[17]
وهي الحكمة التي جعلت القوم يتهمون بالخبل والحمق.
بالعودة إلى أسطورة المكان؛ نشير إلى كون الجمل الرابض "ألغم"
يحمل معه أيضا سر الفتوحات التي كانت تستغلها "دنيا" أخت حماد في اكتشاف
مراحل رحلته، وهي العين السحرية التي تنظر من خلالها إلى كل ما يقع، وهي تناشد
أخاها حينا، أو تشجعه أو تحاول مساعدته دون أن يكون لصوتها وقع عنده. تقول دنيا:
"ارجع يا حماد، أنت في تخوم الربع الخالي: الداخل إليه مفقود والعائد منه
مولود... وقليلا ما يعود.....
لكن حمادا لم يكن يسمع شيئا غير وقع الفرس التي تضرب أرض البطاح.."[18]
3- الأسطورة والحيوان:
بعد أسطورة المكان المتعلقة بالحيوان الجامد "ألغم" نصل إلى
الحيوان نفسه، أي الجمل أو الناقة لكن في صورتها الحقيقية شكلا، المفارقة لواقعها
إلى شكل أسطوري. والأسطورة هنا قائمة على أساس نطق الحيوان، وكشفه ألاعيب الشيخ عباس
الأخنس الذي كان يخبر عشيرته بأقوال الناقة وتنبؤاتها.
الناقة نطقت في آخر النص لتخبر الكل بمجموعة من الأفعال الدنيئة التي كان
سببها الشيخ، أو شارك فيها لجعل أبناء قبيلته تحت سيطرته الفكرية والحياتية.
أخبرت الناقة القوم ب:
أولا: بأنها تحقق رغبة الشيخ لتنطق، ومعنى هذا أن كلامه ربما يكون وهما، أو
كذبا، لكنه يتحقق أخيرا.
ثانيا: تكذِّبُ قول الشيخ حول المطر، وإخبارهم أنه سمعه عبر الراديو.
ثالثا: إخبارهم بقصة الراديو الذي تركه في حوزته، في حين طلب من الكل تحطيم
جهازه، وقيامه بقذف راديو قديم في النار.
رابعا: إخفاء ثور الضاوية في الغابة... وغيرها
لكن الناقة تصرح قائلة: "لم أقل شيئا عن النهر... ولا عن الأمير
التائه.. هذه الخرافة يتوارثها هو وأمثاله عن أجدادهم... ويشيعونها بين
الناس."[19]
إلى جانب أسطورة الناقة، نقف عند أسطورة كل من الثعبان والحمامة، حيث تحول
الثعبان من سيول الدم النازف من أجسام أفراد من بني حمو السطل الذين واجهوا خصومهم
من بني موسى: "ونزف الدم ونزف فتجمعت سيوله فالتحق بعضها ببعض وتشكلت ساقية
حمراء، ما لبثت أن أصبحت ثعبانا ضخما، مروعا يزحف نحو الفتاة التي تحولت إلى حمامة
بيضاء.."[20]
إذاً، يتعدد مدلول كل حيوان، وتتعد صفاته، غير أن أسطورته متعلقة بكل من
المكان والشخصية، ويمكن أن نربط بين العناصر الثلاثة عبر خيط الحدث، ذلك أن حدث
اختفاء الأمير إن صح وقوعه، أخبرت عنه الناقة كما جاء على لسان الشيخ، والناقة
نفسها تكذب القول، أما "ألغم" فوجد رابضا بمكانه، ونهايته كانت بعودة
الأمن، وانتفاء روح السخرية والمسخ الذي أصاب الثعبان والحمامة: رمزا العداوة
والسلام. أما الشخصية فيمكن أن تكون متحولة عن أصل أول، فالأمير يمكن أن يكون ذاته
الناقة المتحولة، كما يمكن أن يكون حمادا، كما يجوز انتفاء وجدوه نهائيا ليكون رمزا
أسطوريا، يرد حضوره حين يغيب السلم والرجاء والسخاء والعطاء والحرية والعدل
والمساواة.
تركيب
سبقت الإشارة في بداية البحث، أن أسطورة الشخصية وأسطورة المكان والحيوان،
تشكل تيمة موحدة، بناؤها التخيل، ووسيلتها الأسطورة المتخيلة، لذلك، فأسطورة
الشخصية قائمة على استحضار القوة الخارقة للجمل الرابض، وقوة الجمل مبنية على تحمل
حماد وسيطرته على مغامراته عبر مجاهل الصحراء، وقوة الجبل أيضا حكاية أخرى لسيطرة
الخرافة والشعوذة، وهذا دليل على تضمن التخيل والأسطورة من جهة، وإلى اعتماد
الروائي يحيى بزغود على ملكته السردية وحبكته الروائية ليجعل سيرته للشخصيات جزءا
من تحول المكان والزمان، وسيطرة القوى الخارقة والخرافية. ومن ثمة فالتخيل الذي
بنى به روايته هو جزء من الأسطورة، كما أن الأسطورة هي بناء روحي لفك ألغاز السيرة
الروائية.