الاثنين، 27 يناير 2014

المقهى الأدبي في موعد مع شباب مبادرة "لنجعل القراءة طقسا يوميا"

المقهى الأدبي في موعد مع شباب مبادرة "لنجعل القراءة طقسا يوميا"
بمناسبة الذكرى العاشرة لوفاة الروائي العربي عبد الرحمان منيف


25/01/2014
كان المقهى الأدبي اليوم على موعد مع شباب مبادرة "لنجعل القراءة طقسا يوميا"
بمناسبة الذكرى العاشرة لوفاة الروائي العربي عبد الرحمان منيف

افتُتح اللقاء بكلمة للمقهى الأدبي رحب فيها الأستاذ رشيد قدوري بالحضور عموما وبشباب المبادرة بوجه خاص
تراس المنصة الدكتور ع.السلام بوسنينة باقتدار قدم في ورقة موجزة المبادرة والأستاذين المتداخلين ثم حول المكرفون للأستاذ علال توفيق، الذي أثنى على المقهى الأدبي كفضاء ثقافي مشع قبل أن يشرع في بسط انشطة المبادرة ماضيا وحاضر ومستقبلا، انجازات المبادرة والأنشطة قيد الإنجاز ثم المشاريع المزمع إنجازها مستقبلا وما حققته المبادرة من تفاعلات وما أحدثته من ردود فعل إيجابية على المستويين الجهوي والوطني
أما المتداخل الثاني الأستاذ ع.الرحمان علال فتمحورت مداخلته حول شخص الكاتب الروائي العربي عبد الرحمان منيف او سيرة منيف من خلال انجازه الروائي بدءا بالفضاء المكاني عمان بلغراد باريس سوريا وولوجه العالم الأدبي الروائي من باب الاقتصاد ليجول في السياسة ويقتحم علم الاجتماع من خلال مؤلفاته العديدة والمتنوعة بين رواية وقصة ونقد وسياسة... حاول المتداخل تقريب الحاضرين من سيرة منيف الذي دخل عالم الرواية من باب النفط و بنى دولة من ملح و السجن السياسي .و انطلاقا من المكان والثقافة والنتاج الأدبي وعلاقة الصداقة التي ربطته بجبرا و مروان و الباهي ...
تخللت المداخلتين قراءة شعرية للشاعرة الواعدة سميرة جاغو من الناظور واختتمت بقراءتين ألقت الشابة "هند خوشة "قصيدة بعنوان بين الماضي والحاضر أما الفنانة الشابة مصباح هاجر فألقت قصيدة ــ فاتني ( اعتذر)أن أسجل عنوانها ــ وأخيرا أتحف الحاضرين المهلوس رشيد قدوري بإحدى هلوساته الراقية بعنوان المساومة 

الثلاثاء، 21 يناير 2014

آملاً..في الرحِيل/ عبدالكريم إزيلك


  
                                              آملاً..في الرحِيل

 عبدالكريم إزيلك

آملاً في الرحيل..
أَحتَسي ما تبَقى من الليل
جرْعةً سائغةً،
بنكهة البلوطْ
..ومداقِ السوَادْ.

أنْقُل الوجعَ الماردَ
منْ جِهة القلب
..إلى أقصى اليمينْ.

الليلُ الميت ..يهربُ
كي لا يُمزقَهُ الرحيلْ

يُبددني
 شغفُ الإنتقالْ
إلى النطفة الأولى،
لأول جسدٍ ..يحسُ بالإنقسامْ

يترددُ صوْتُ المَدى
والصدَى..
يتقَيأُ الأوجاعْ
إنه يخشى الوداعْ.

آملاً في الرحيلْ..
أنْقضُ العهد القديمْ
الدي وعَدتُ به.. هدا المكانْ
إنه نفسُ المكانْ
آهٍ
..ينْتابُني الإعتِقالْ.

طائِرٌ يشتكي بُعْد السموات..عَن سَماء السنونُو
وأنا ..أشتكي الإنصِهارْ
من يكون الدي غادر الموتُ
 أوصالَهُ؟
داك الزعيم..داك المُلثمُ بالغُبارْ.

إنهُ يُمسكُ بأصابِعهِ الخمسةِ والخمسين
زِر الإنفجَارْ
طاقْ طاقْ..
الصوْتُ الدي وجدْتُهُ ..تَائهاً
مُخْتَنِقاً من العراءْ.

ارْحلْ ..ارحَلْ
نَعمْ سَمعتُ دلك..إنه الإندار ْ.
أبوء بالكتمانْ..
وألودُ بآخر صرْخَةٍ
 منْ صرخَات الرحِيل.

لا أكترثُ..
عندما يَغْضبُ مني هدا الفضاءْ
فغداً..
لنْ أكونَ هُناَ
كيْ أحس بما يتجرعُهُ
من ألمِ الإنفصالْ.

للأقاصِي..
صوتٌ سَرمديٌ ينادي:
يا أيُهدا تعالَ..ودعْ كل شئٍ
فهنا
يكمنُ الأبدُ السرمدي.

فحَمَلْتُ الحقائِبَ مثْقلةً بالغيومْ
آملا ..في الرحيلْ.

رواية جدار الأفق الجديد لتناول النكبات/* إدريس يزيدي


رواية جدار

الأفق الجديد لتناول النكبات

* إدريس يزيدي
Drisss.yazidii@gmail.com


اصطلح النقاد على تسمية عنوان النص بالعتبة التي من خلالها يتم الولوج إلى رحابه، أما أن تظل العتبة هي المهين الأول على تفاصيل النص فهذا ما نجده في رواية "جدار" الصادرة عن مطبعة الجسور لمحمد مباركي.
من بداية النص إلى منتهاه يمضي الأسلوب السردي في إيقاع منسجم خال من أية عثرات، وهو ما يبعث في نفسية القارئ راحة تسعفه على متابعة تفاصيل النص دون عناء. إلا أن الذي يلفت الانتباه أكثر هو استغناء الراوي عن الرجوع بالذاكرة إلى الوراء بشكل شديد التشابك، وهو ما نلحظه ـ خاصة في الآونة الأخيرة ـ في العديد من التراكمات النصية التي تربك القارئ وهو يلهث خلف الأحداث يحاول أن يوجه عبثية الزمن في تلافيف النص. كأن هذا ـ أي التسلسل الزمني البسيط في رواية جدار ـ مبعثه ما يطالعنا به في مستهل النص " لم تكن في بيتنا ساعة حائطية، ولم أكن أملك ساعة يدوية" ص9.
   تميط الرواية اللثام عن جانب من الصراع الذي ينتقل عبر الأجيال، فالجدار الذي بناه الأخوان ـ عم أحمد وأبوه ـ ليشطر البيت إلى شطرين، لم يكتف بشطر الحيز الجغرافي فحسب، بل أجهز على الأخوة المتينة التي كانت بين الرجلين فتسربت الشحناء إلى الأزواج وتاليا الأبناء الذين كان أحمد ـ بطل الرواية ـ من أبرزهم. لذلك ظل أحمد يصفه بالجدار الملعون على مدار النص " وتذكرت مكانا أكرهه. كان هو الجدار الملعون" ص11، "وفاطمة الصغيرة وقد فصلني عنها الجدار الملعون" ص26، "وسأحطم الجدار الملعون" ص167.
   ولا ينفلت النص من ربقة هذا الركن الراسخ في ثناياه إلا عندما يرتمي أحمد في أحضان مومس هي أول خطوة له في درب الغواية، عرَّفه عليها صديقه عبد الباقي " وتمنيت أن يحيد عن طريقي وألا يحول بيني وبين ليلى، فقد أنستني كل انشغالاتي حتى الجدار الملعون" ص124، كأن المومس والجدار ـ في حدود النص ـ كلاهما صُنِعا من طينة ملعونة إذ بمقدور أحدهما أن يستعيض عن الآخر، فقد جعلهما النص يشتركان في نفس الصفة "ملعون"، ولو كان ذلك بحدة متفاوتة. فهذا عبد الباقي يقول لأحمد " هل تعلم أن حب البغايا ينتهي دوما بكابوس ملعون" ص124. والذي يشهد لهذا هي الحياة العفيفة التي اختارها أحمد والتي لم يكدر صفوها إلا الجدار.
   ويكشف النص في صفحاته الأولى أن الصراع بين الأخوين ـ عم أحمد وأبوه ـ امتد إلى تجارتهما فأفضى الأمر إلى بناء فاصل آخر في محل التجارة يحدد لكل واحد منهما حصته، إلا أن النص لم يأت على ذكره إلا مرات معدودة، مما يجعلنا نومن بحبكة النص بدقة عالية هو تسمية هذا الفاصل بالحائط " بنى البناء حائطا من الآجر الأحمر وسط الدكان وشطره شطرين متنافرين" ص36، حتى يتميز عن الجدار الذي فصل الأسرة في مقر سكناهم والذي كان له الأثر البالغ في تحديد مسار السرد. إذ نلحظ أن الكثير من المواقف كان الراوي يؤرخ لها بزمن بناء الجدار " ويحملني الشوق في سفر عبر الزمن مع الجميع إلى منزلنا العتيق قبل الجدار" ص51.
لقد انشطرت حياة أحمد ـ زمنيا وعاطفيا ـ إلى شطرين، كان بناء الجدار هو الذي يحدد الحقبتين. وهو بخلاف أخيه ـ الوحيد ـ سعيد الذي فر من رؤية الجدار الذي لم يستطع تحمله وهرول إلى باريس بعد أن قال لأمه " اتركيني أسافر. فأنا لا أريد رؤية عمي وزوجته والدار والجدار الذي تواطأتم على بنائه" ص42. لقد سافر سعيد بعد أن ترك موقفا مضطربا متناقضا على وجه النص، فهو يؤكد لأخيه أنه سيعود بالمال الذي به يشتري الجزء الآخر للدار ويهدم الجدار "بل أعدك بشراء النصف الآخر من عمك الطماع، سأعطيه مبلغا مغريا، ونهدم الجدار" ص43 وفي موقف آخر على رصيف محــطة القطار يسر لأخيه أنه ســوف لـن يعــود"أقسم بكل الأوثان ألا يعود. ولم يعد رغم الرفرفات المتكررة لجفن أمي" ص205.
  وبين هذا التأرج لموقف سعيد، يظل أحمد ثابتا في مواقفه يتحدى عقبات الزمن بكل ما أوتي من السلوى إلى درجة يستل فيها الكثير من مقومات النص، خاصة الأزمة النفسية التي أعقبت موت حبيبته زينب والتي دعته إلى زيارة ذلك الطبيب اليهودي " كان الطبيب يهوديا ..." ص101، فقد كان بابا مشرعا يلج من خلاله إلى ثغور النفس وهي تعيش ذلك الارتباك الممض الذي غالبا ما يحرف حياة المرء عن مسارها ولو حينا من الدهر. لكنه ما فتئ أن أوصد هذا الباب مبررا ذلك بقدرته الفائقة على تجاوز الماضي وبالتالي رَسَمَ لنفسه مسيرة خالية من التوترات، فهو يعالج كل المفاجآة بهدوء ورصانة، ولعل هذا ما جعلها ـ إلى حد ما ـ غريبة عن الآداب العربية التي تعج بالفجائع، فقد سامح عمه وزوجته وبناتها وبعد ذلك طوى صفحة زينب " زينب مثلا، ذكرى أليمة حفرت مكانها في الماضي، لكن ذكراها لا تصلح إلا للتحقيب التاريخي" ص112. إلا أنه بهذا التبرير ضيق زاوية من زوايا السرد كانت ستخدم التيمة الأساسية للنص، ألا وهي رحلة أحمد الجوانية خاصة وقد وصفها بمثلث الموت البطيء "قلت، أجرب وأفرج عن نفس توالت عليها الأحزان، وأخرجها من مثلث الموت البطيء كما سماه عبد الباقي" ص113، وهذا ما فعله أيضا مع أمه التي يقول عنها " كانت أمي شبكة من العقد النفسية كشباك الصيد في أعالي البحار" ص227 إلا أنه لم يُرِنا إلا تلك الأم الوديعة المسالمة متسترا على الموجه الآخر الذي كان سيثري النص أيما إثراء خاصة في ظل هذه اللغة السردية الرصينة التي قلما تكبو.
   إلا أننا عندما نلتهم آخر صفحة من هذا المتن السلس،نظل نستشعر جانبا من الؤثرات الخارجية التي ساهمت في صنع شخصية أحمد، ألا وهي السياسة العامة للعالم العربي المبنية على القمع. فبعض التعابير بدت مجتزأة بادئ الأمر " هذه الربوع الشرقية من مغرب غير نافع" ص33، "وخرجت من صمتي مكرها كالمبايع المكره" ص70، لكننا نطل على النوايا الكامنة وراء هذه الصياغات عندما يستغل رسالة أخية سعيد من باريس ليكشف لنا عن الحقائق التي كان يضمرها " إلى أخي من أبي وأمي ...عودتي إلى وطن ممسوخ ... تركوا للحاكم وأذنابه عساليج الغابات وسمك البحر ومناجم الماس واحتياطات النفط ...أوطانا تمزقها أيادي النشالين" ص72. لقد نجح في أن يسوق لنا هذه النظرة السوداوية تجاه الواقع بأسلوب هادئ بعيدا عن الانفعالات، وبالتالي يكون هذا النص قد دفع الرواية العربية لتلامس أفقا جديدا بعيدا عن الفجائعية والقلق والأفق الرمادي  الذي ظلت تتسم به في مجمل نصوصها.



قراءة أولية في القصة القصيرة جدّا "شـوق" للقاص محمد مباركي


      قراءة أولية في القصة القصيرة جدّا "شـوق" للقاص محمد مباركي



(إنجاز: رشيد سوسان)
 
      الكاتب محمد مباركي قاص ومبدع من طينة خاصة، إنه قاص بروميثي شقّ لنفسه طريقاً خاصّة ومليئة بالشّيّق من السرد، والجيّد من الإبداع، وهو مكثر في إبداعاته السردية، ويمتلك قدرة فائقة على عملية السرد والحكي ونقل تجارب إنسانية مختلفة إلى القارئ، سواء كانت تجارب حاضرة وواقعية، أم كانت ماضية وتاريخية. وقد صدرت له إلى حدود كتابة هذه الدراسة مجموعتان قصصيتان هما "وطن الخبز الأسود" عام 2010، و"الرقم المعلوم" سنة 2012. إضافة إلى رواية "جدار" الصادرة عام 2011. وله أعمال سردية أخرى كثيرة تنتظر الطبع منها رواية "تغسال" التي ستصدر قريباً عن دار أفريقيا الشرق.
 
      تعالج القصة موضوعاً هامّاً أسال مداداً كثيرا يتوزع بين جميع صنوف القول ومختلف أنواع الكلام، إنه موضوع الغربة الذي فرض نفسه على الفلاسفة والمفكرين والأدباء والفنانين. إلاّ أن ما يميز الغربة في قصة محمد مباركي "شوق" هو أنها من نوع خاص؛ ذلك بأنها تتعلق بغربة البطل مدة عشر سنوات في القطب الشمالي، حيث يطول النهار ستة أشهر، ويطول الليل مثلها !أيُّ غربة هذه؟ وما أقسى وقعها على من يعيشها ويكابدها؟
 
      لعل قسوة هذه الغربة كانت سبباً مباشراً في اختيار القاص كلمة واحدة لتكون عنواناً مناسباً لقصته، وهي كلمة (شوق): هذه اللفظة الصغيرة ذات الأبعاد والدلالات الكبيرة على المستويات الذاتية، والاجتماعية، والإنسانية، والوجودية. وقد كان الكاتب موفقاً في اختيار العنوان نكرةً، لأن النكرة في الدلالة على المقاصد العظمى أدلّ، وهي في وصف الحالة النفسية المناسبة لسياق هذه القصة أبلغ. هكذا يكون عنوان قصة محمد مباركي قد حقق بحقّ أهم مواصفات التفوّق؛ ذلك بأنه عنوان جذّاب يجذب القارئ لتتبع الأحداث، كما أنه عنوان يلخص القصة ويختزلها، على الرغم من كونها قصة قصيرة جدّاً. وكأن سائلاً ما سأل: ما مصير بطل القصة الذي عاش هموم تلك الغربة وأوزارها بالقطب الشمالي؟ فقيل له في جواب جامع مانع: شوق. ما أروعه من عنوان! وما أدلّها من كلمة على المراد!
 
      على مستوى الشخوص في القصة نجد البطل، والغمامة، والأهل، والملائكة. وسيتمّ التركيز هنا على توضيح معطيات خاصة بالطرفيْن الأول والأخير نظراً لضيق المقام، وأعني بهما البطل والملائكة. أما البطل فعليه مدار الحكي في القصة، والدليل الفنّيّ على ذلك العنوان وبداية القصة ونهايتها؛ فأما العنوان فيحيلنا على لفظ "شوق"، وهو شوق لم يعرف قيمته الحقيقية إلا البطل الذي كابد الغربة وقاومها مدة عشر سنوات في القطب الشمالي، وأما البداية والنهاية فهما معاً يشيران إلى البطل، لأن أول كلمة في البداية هي (ابتلعتني) وهي خاصة بالبطل لوجود ياء المتكلم التي تعود عليه، وآخر كلمة في النهاية (وطني)، وهي أيضاً خاصة بالبطل.
 
      وأما الملائكة – بصفتها من شخوص القصة- فلم تتدخل في أحداث القصة إلاّ في النهاية، غير أن تدخّلها في الأحداث كان هامّاً جدّاً. أليست هي التي رسمت من الغيمة خريطة لوطن البطل؟ وهذا معناه أن حضور الملائكة في قصة محمد مباركي المحللة جاء لتعويض نقص الإنسان؛ ذلك بأن الإنسان (بطل القصة) قد عجز في تحقيق شيء يجعله ينسى الغربة وموجات آلامها المشتعلة (هيّجت عشرُ سنوات من التّغرّب الصبابةَ في قلبي إلى وطني)، أو القيام بشيء يخفف من لظى شوقه الشديد إلى بلده (يَمْثُل طيفُه أمامي كل حين شامخاً كالطّود العظيم). تدخلت الملائكة هنا- أمام عجز الإنسان ونقصه إذاً- لتقدّم حلاًّ يرضي البطل، إذ إنها لمّا سمعت بكاء البطل وتوسّله وهو يطلب من الغمامة أن تبلّغ سلامه إلى أهله، لم تظلّ مكتوفة الأيدي، بل تعاطفت معه في صورة رائعة حين رسمت من تلك الغيمة (المزنة الجميلة) خريطة لوطنه. هكذا عوّضت هذه المخلوقات النورانية (الملائكة) ذلك الضعف المريع في الإنسان، وجعلت البطل يرى أمامه واقعيّاً خريطة وطنه مؤذنةً بوصال قريب. ومن قبلُ كان لا يرى أمامه إلاّ طيف الوطن شامخاً كالطود العظيم نتيجة وطأة الغربة الشديدة.
 
     يلفت انتباه قارئ القصة أيضاً – إضافة إلى ما تقدّم- مجموعة من الخصائص اللغويّة والتركيبية والفنّة أُوجِزها فيما يأتي:
 
-        لغة الوصف: حاضرة بقوة في هذه القصة، وهي تزيد من اشتداد وقع الغربة، ذلك الوقع الثقيل الذي كابد أوزاره البطل أولاً وأخيراً. وقد ظهرت تجليات الوصف في القصة على مستوييْن: مستوى الصفات (الدائرة القطبية- رمادية اللون- صقيع أبديّ- شامخاً- الطود العظيم- طائر منتوف الجناحين- غمامة يتيمة سابحة- بِعينيْن دامِعتيْن- متوسِّلاً- المزنة الجميلة). والمستوى الثاني تمثّله جمل واصفة (حيث يطول النهار ستة أشهر، ويطول الليل مثلها- وتشرق شمس منتصف الليل وتغرب رمادية اللون- صقيع أبديّ لا يرحم- هيّجت عشرُ سنوات من التّغرّب الصبابةَ في قلبي إلى وطني- كنت مثل طائر منتوف الجناحين- تابعتها بِعينيْن دامِعتيْن- خاطبتها متوسّلاً- سمعت الملائكة توسّلي- رسمت من الغيمة خريطة لوطني). والملاحظ أن لغة الوصف هذه هيمنت على القصة بشكل واضح ممّا يجعلها ميزتها الأولى ومفتاح دلالاتها ومقاصدها.
 
-        الاختزال والحذف: هما ميزتان جوهريّتان في قصة (شوق) لمحمد مباركي، وهما سبب غياب بعض التفاصيل التي قد يحتاج إليها القارئ، غير أن غياب هذه التفاصيل هو من أجود ما في هذه القصة من الخصائص والمقومات؛ فنحن لا نعلم مثلاً لماذا كانت غربة البطل تحديدا في القطب الشمالي؟ ولا نعرف ما سبب إقامة البطل بهذا القطب عشر سنوات!؟ ... غيابات وفراغات كثيرة تجعل القارئ في حيرة، لكنها حيرة جميلة بكل تأكيد، لأنها ستدفعه إلى اقتراح افتراضات وتفسيرات ممكنة ليملأ تلك الفراغات والفجوات في القصة. وهذه العملية في حدّ ذاتها إبداع ثانٍ يحقّقه القارئ، وينضاف إلى الإبداع الأول الذي أنجزه باقتدار القاص محمد مباركي... وتأتي في نطاق هذه الغيابات والفجوات أيضاً مسألة عدم تحديد وطن البطل؛ ذلك بأننا لا نعرف ما وطنه ذاك الذي رسمته الملائكة في القصة. ولعل غياب ذكر الوطن هنا يخدم إلى حد ّ كبير مقصد القصة أكثر، ويطعّم دلالاتها وأبعادها المختلفة إنسانيّاً واجتماعيّا وكونيّاً. هكذا يخرج الوطن في القصة جغرافيّاً من الدائرة الضيّقة، وتصبح له دلالة أخرى أعمق وأوسع: إنه مطلق الوطن الذي يمثل للبطل المكابد كيانه ووجوده وانتماءه وإنسانيته.
 
-        الحوار: تغيب خاصية الحوار في كثير من القصص التي تُدعى (القصيرة جدّاً)، لأن حجم هذه القصص المختزل لا يسمح غالباً بفتح أبواب للحوار... غير أن الحوار قد حضر في هذه القصة القصيرة جدّاً لمحمد مباركي، وذلك في شكل لقطة خاطفة لكنها كانت عظيمة الوقع؛ إذ إن التّحول الذي وقع في القصة كان بفضل الحوار، لأن الملائكة لم ترسم خريطة وطن البطل إلاّ بعد سماعها خطابه المتوسِل: (أيتها المزنة الجميلة، إذا مررتِ بسماء وطني، فأبلغي سلامي إلى أهلي).
 
      أختم هذه المحاولة المتواضعة في تحليل قصة (شوق) لمحمد مباركي بالإشارة إلى مغزاها الذي يتلخّص أساساً في وصف مكابدات الإنسان المقهور في واقعه، والذي يحس بأنه مَقصوص الجناح، ومُكبّل الإرادة، لا حول له ولاقوة، في زمن هُمِّش فيه الإنسان وحُكم عليه بالغربة بين أهله وأحبابه، بل حُكم عليه بالاغتراب حتى في ذاته، فصار طائرا مقصوص الجناح، أو منتوف الجناحين بتعبير القصة المُحلّلة. ولعل استحضار القصة مكان القطب الشمالي بصقيعه الأبديّ، واستدعاء الحديث عن غربة البطل فيه عشر سنوات كاملة... كل ذلك جاء ليعبر القاص عن ذلك المغزى العظيم... إن البطل (الإنسان) منهار القوى، ومقصوص الجناح، فكيف سيقوى على الطيران حرّا طليقاً؟ قال الشاعر:
 
ويَقولُ عُصفورٌ نَقصُّ جناحَهُ  = = =  هيهاتَ أن يقْوى على الطّيرانِ
 
   ملـحـق: نص قصة "شوق" لمحمد مباركي:
 
     "ابتلعتني دوّامةٌ وراء الدّائرة القطبية، حيث يطول النّهار ستّة أشهر، ويطول اللّيل مثلها، وتشرق شمس منتصف اللّيل وتغرب رمادية اللّون على صقيع أبدي لا يرحم. هيّجت عشر سنوات من التّغرّب الصّبابة في قلبي إلى وطني. يَمْثُلُ طيفه أمامي كلّ حين شامخا كالطّود العظيم. كنتُ مثل طائر منتوف الجناحين.
 
     نظرتُ يوما إلى السّماء، فشاهدتُ غمامة يتيمة سابحة جنوبا. تابعتها بعينين دامعتين، وخاطبتها متوسّلا:
 
    "أيّتها المُزْنَةُ الجميلة، إذا مررت بسماء وطني، فأبلغي سلامي إلى أهلي".
 
سمعت الملائكة توسّلي، ورسمت من الغيمة خريطة لوطني."
 

بين النفس الصوفي والتشكيل البصري/الشاعر مصطفى ادزيري في توقيع ل ديوان "نديم الطير"


بين النفس الصوفي والتشكيل البصري

موعد جديد ضربه المقهى الأدبي لرواده، استضاف فيه الشاعر مصطفى ردزيري من 
خلال ديوان
"نديم الطير"
18/01/2014

وقف الحاضرون لقراءة الفاتحة ترحما على روح الفقيد "حميد نوار " أحد أبناء المدينة الغيورين على ما تزخر به من معالم تاريخية وحضارية ، وهو ممن استضافه المقهى الأدبي في صائفة2012 لعرض صور نادرة للمدينة ومرافقها منذ نهاية القرن التاسع عشر
رحم الله الفقيد والهم ذويه الصبر والسلوان

ترأست جوقة اليوم القصاصة الدكتورة "مريم لحلو" قدمت فرسان المنصة : المحتفى به مصطفى دزيري والناقدين الأستاذ الطيب هلو والدكتور محمد ماني

اختزل الدكتور محمد ماني تجربة الشاعر التي تميزت بنفسها الصوفي لينتقل للعتبات ومختلف المؤشرات، قبل ان يقتحم مضامين النص ويجلو مكامنها مسجلا ما ميز متنها من غموض يسم النص بمتعة تستفز المتلقي بما يضفيه من جماليات ...مر بمعجم النص الصوفي باعتباره المرتكز الأساسي للغته بأبعادها الرمزية المختلفة والمتنوعة واقفا في الوقت ذاته على مجموعة من الأمثلة شواهد على ما استنتجه من أحكام

بعد استراحة قصيرة شنف فيها الشاعر المحتفى به آذان الحاضرين أحيل المكرفون للناقد "الطيب هلو" ليبسط مداخلته التي وسمها ب" التشكيل البصري في "نديم الطير""
قارب فيها الديوان من خلال ائتلاف الصورة التشكيلية والصورة البلاغية منطلقا من العتبات وما حوته من خط ولون وصورة ملاحظا مركزية الخط العربي و مطواعيته للتشكيل وقدرته على توجيه أفق انتظار المتلقي راصدا تجانس التشكيلي مع الدلالي في تناغم وانسجام يكمل كل منهما الآخر ... عرج على ما يرمي إليه الشاعر من اعتماده الخط المغربي وتوظيفه توظيفا يترجم الدفقة الشعورية ارتياحا او انقباضا ...
من مميزات الديوان الرسم بالخط وما اضفاه من مسحات جمالية ..مشيرا إلى استفادة الديوان من مختلف تقنيات الخط واستعمالها كالترصيف والمد والتوفية ... كما لفت الناقد الانتباه على مختلف الأشكال الهندسية ودلالاتها الرمزية والفنية....

عادت الكلمة من جديد للمحتفى به ليثني على المقهى الأبي و يلقي بعض القصائد من الديوان موضوع التوقيع

 
Design by Free WordPress Themes | Bloggerized by Lasantha - Premium Blogger Themes | Best Buy Coupons تعريب : ق,ب,م