الثلاثاء، 7 مايو 2013

حوار مع الكاتب المغربي عيسى حموتي




حوار مع الكاتب المغربي عيسى حموتي
 
من إعداد عبد القادر كعبان من الجزائر
المبدع المغربي عيسى حموتي، شاعر وقاص  وروائي من مدينة وجدة، حاصل على إجازة في اللغة العربية وآدابها، نشر نصوصه القصصية والشعرية في عدة صحف ومجلات ورقية. ساهم بمشاركته في عدة أمسيات أدبية. له مجموعة  قصصية "أولاد القايد" (2012). أما في الشعر فقد صدر له "تضاريس القلق" (2010) و "أوريات أو مجنون بنت الريف" (2011). أما في جنس الرواية فقد صدر له "الهجرة المعكوسة" (2012) و  صدر له حديثا "أم سلام" عن مؤسسة شمس للنشر و الإعلام بالقاهرة (2013).
بداية نود أن نتعرف أكثر على عيسى حموتي فماذا تقول؟
ما فاتحة النص الذي ورطك في عالم الكتابة؟
عيسى حموتي شاعر و قاص و روائي. كيف توفق بين كل هذه الأجناس الأدبية؟ و في أي جنس تتلمس ذاتك للتعمق في غمارها الإبداعية؟
أصبح المشهد الأدبي اليوم يعاني من قلة الإهتمام بالشعر


على عكس الرواية مثلا. ما تعليقك؟
هل تتابع الحركة الشعرية المغربية؟ ما رأيك بها؟
كيف كانت بدايتك الأولى في النشر الورقي؟
جاء في تقديم الناقد المغربي محمد يحيى قاسيمي لمجموعتك القصصية الثانية ما يلي: « ... أولاد القايد قصص قصيرة ذات معانٍ كبيرة جدًا.. فما من قصة إلا تلمح إلى مشكلة. فهي رمز للسلطة بكل أشكالها ومستوياتها، وهي رمز لفئة حاكمة تمتهن كل أشكال الظلم والطغيان والجبروت." كيف تربط هذه القصص بجملة الثورات التي يشهدها العالم العربي اليوم؟
أيهما أصعب كتابة النص الشعري أم القصصي؟ و لماذا؟
ما هو أول محفز دفعك لكتابة باكورتك الروائية "الهجرة المعكوسة"؟
ماذا قصد الناقد الأدبي عـلال مسـاعد بثلاثية (الفكرة/البناء/الموقف) من خلال تقديمه لروايتك الأولى؟
كيف حال الرواية المغربية اليوم مقارنة بالرواية العربية؟
صدرت لك مؤخرا رواية تحت عنوان "أم سلام" و عن هذا العمل الأدبي يقول الناقد و الروائي محمد داني: "أم سلام" رواية أبدع فيها مؤلفها، يأخذنا فيها في رحلة عجائبية من خلال بوح، و مناجاة جنين نسافر عبر التكوين، و التأصل و الوجود، مكتشفين في رحلتنا هذه وقائع و حقائق كثيرة". حدثنا عن هذه التجربة الجديدة؟
ما نوع الدعم الذي يحتاجه المبدع المثقف اليوم؟
كلمة ختامية؟
عيسى حموتي
ماذا عسى أن يعطي فاقد الشيء؟ ما رأيك إذا قلت لك أن الحديث عن الذات ضرب من  المغامرة ؟ذلك أني لا زلت أتلمس طريقي، أو بعبارة أخرى لا زلت ابحث عن ذاتي ، والكتابة عندي في حد ذاتها بحث عن الذات ، أصبحت مدمنا ، لا أتوقف يوما عن البحث عن ذاتي ، كلما تلمست طيفها نطت أمامي ...لكن هذا لن يمنعني من أن أتحدث عن تجربة رائدة في المدينة..أنشأ ثلة من الأصدقاء بالطبع أنا فرد منهم ، ب"وجدة"  المقهى الأدبي " في فترة وجيزة أصبح له إشعاع كبير ليس على المستوى المحلي فقط بل على المستوى العربي (توقيع لكاتب جزائري) وآخر( لشاعر فلسطيني ) هذا الفضاء أصبح قبلة للمبدعين والنقاد ، استفدت منه كثيرا  بفضل الاحتكاك المباش مع الأصدقاء .. يشهد هذا الفضاء المتواضع  حراكا ثقافيا متميزا.. ، ظل هم المقهى الأول الاعتناء بالطاقات الإبداعية الشابة من جهة والمهمشة من جهة  أخرى.وبالتشجيع على الإنتاج ..يكفي أن المقهى يشهد على رأس كل شهر توقيع إصدار جديد وخلال السنة الحالية أصبح يقدم إصدارين في الشهر... كما ينظم  أمسيات فنية ، من خلال إطلاله على فنون التشكيل والصورة  إلى جانب الشعر والقصة والمسرح .. ومن المهام التي أتولاها في هذا الفضاء توثيق تقارير الأنشطة  التي تبناها المقهى الدبي ...في خضم هذا الجو الأدبي،  وفي إطار التنافس الثقافي  تشهد المدينة اليوم واجهات ثقافية عدة ...نأسف إغلاق الحدود بين العدوتين  وحرمانهما من ممارسة الفعل الثقافي ...

فعل الكتابة
إذا صح تسميتها كتابة ، فلقد بدأت مع المراهقة من خلال رسائل غرامية منمقة وكلام مسجوع  ،ظلت طي النسيان ، إلى حدود نهاية ثمانينيات القرن الماضي ،وبحكم خروجي للعمل في حقل التعليم بسلطنة عمان عشت ظروف ذاتيا وأخرى موضوعية، الأولى بحكم البعد والحنين والشوق والثانية باعتبار ظروف الحرب التي عرغتها المنطقة حينذاك.. إذ أصبح  الحرف يفرض نفسه على ورقي ، ولم يتوانى في تحريك قلمي. يتجاذبه هذان الظرفان ...وانطلقت أكتب ، في كراسات ...وبعدها بقليل عرفت حياتي انعطافا اشعل شرارة عاطفتي ،  وكنت ألقي من حين لآخر قصيدة  في الزملاء  أو في مناسبات ، وحثني الكثير منهم على النشر ، فنشرت في مواقع مختلفة  إلى أن  كان ديوان "تضاريس القلق"... وما تلاه من إصدارات
الأجناس  الأدبية
حسب تجربتي المتواضعة في الأجناس الثلاثة ، ارى أن القصيدة ومضة والقصة لحظة والرواية وقفة، فالقصيدة ومضات من نوع ملح يفرض ذاته فرضا لا تستطيع الذات المبدعة التخلص منها إلا إذا اكتملت صورتها ، واتضحت معالمها ، يبقى على الشاعر انتظار اختمارها لترتسم ابعادها وتتضح صياغتها قبل إلقائها ...والقصة القصيرة أقرب إلى القصيدة من حيث هي لحظة عابرة في الزمان ، يتصيدها المبدع في لحظة وجيزة ثم يعمل على صياغتها كما تقتضي منهجية كتاباته وأسلوبها...أما الرواية فأكبر من تانك بكثير من حيث  هي قضية متشابكة الأطراف تهتم بقضايا قد تلامسها كل من القصيدة والقصة لكن الرواية تهتم بتحليل أكبر ومواضيع جانبية كثيرة تدور حول قطب الرحى، بل الرواية تتطلب من الروائي إلماما شاملا وبحثا مستمرا قد تمتد كتابة رواية زمنا طويلا ...من هنا أجدني اكتب الأجناس الثلاثة في نفس الوقت أشتغل في نفس الوقت عن قصائد وقصص و فصل من رواية ...
عزوف القراء على القصيدة
عندما تحمل ملف ديوانك لدار النشر ، على أساس الطبع والتوزيع ، يقابلك  المسؤول  بوجهه البشوش قائلا ، إن الدواوين الشعرية تملأ الأكشاك ، وأنت تعلم تكاليف التوزيع والجمع ووو.. لكن في المقابل يرحب بالعمل النقدي ثم بالإبداع السردي ، لا أريد أن يفهم من كلامي أن دور النشر هي السبب في العزوف ، حاشا ، لعل السبب الرئيس هو الشعر في حد ذاته، من جهة والمطابع من ثانية ، فسوق الشعر  ضمت الغث والسمين ، فباسم الشعر الحر أصبحنا نلاحظ اعتداءات على الشعر ذاته، باسم  الانزياح  عرف الشعر تعسفات تدمي روح القصيدة ، بل أكثر من ذلك من الدواوين المطبوعة ما يدعو للاشمئزاز ، فبين يدي الآن وأنا أكتب هذه السطور ديوان لشاعر عربي ؛ يجوب المدن المغربية يشارك في التظاهرات لا تمت لغته إلى العربية بصلة ،عبارات عديدة مشكولة خطأ، وكاف الخطاب المؤنت مشبع بياء  أما التراكيب فأعجمية ...وأما... وأما... هذه الضحالة شاركت بشكل كبير في عزوف الأذواق السليمة والأذن الموسيقية .عن قراءة الشعر أو الاستمتاع به، ..ناهيك عن الكلام المفبرك من قبيل :

حبيبتي والليل مسافرة..
تحتضن النجوم والغيوم الراحلة
تحدث أضواء الشمس الحائرة
تسأل عن دموع سائلة
عن رقيقات قلب شاعرة
وبلحظة
اشتممت مع الربيع رائحة عطرها
وسطع في عيوني لون سحرها
ولبست ثوبا كان ضياءها
وتكحلت بقلم كحَلها
وامتطيت جوادا كان جوادها  ....
                           من ديوان  طبع - دار الوطن- المغرب  ابريل 2013
ويشارك في هذه المهازل دور الطبع التي تطبع لمن هب ودب ، دون التفكير في تربية ذوق الناشئة .... اعتقد أن السرد لا يستهوي هذا النوع من المتطفلين ...

اولاد القايد والثورات العربية

 

هذان مقطعان من قصيدتين  مختلفتين من مشروع ديوان تحت عنوان:" صليل فوق رقاب الصهيل ونحور الهديل"

رحل الحلم صغيرا،

دون أن يشهد فجر النهار

رحل الحلم كبيرا،                          

وما ضاع في البلاد بهار

ما عرف التاريخ كالحراك تمويها ولا

 كالربيع الأجوف أبلد شعار

2011
    =====

لا زلت أمشي طريقي

حالما والبعث استحالْ؛

رماد عنقائي اندثرْ

 وبه تعصف ريح  من شمال                 

ما شُد لي طرف على صليب

وعلى الصدر تدلى العنق؛

لا بطعن ؛لكن سلوك من حقير جبان
2011

أرى أن الثورات العربية إن جاز أولا تسميتها بالثورات، قامت على كاهل الشعوب المغلوبة ، شعوب تكسرت بيضا لكنها لن تحظى يوما بعجة ، وليست ثورة قادها فكر  منظم ..ونظرا لهذه الهشاشة سهل ركوبها من طرف الغربان الذين ظلوا بعيدا عن الساحة  يحابون النظام حتى إذا تأكدوا من سكتته القلبية سارعوا ليعانقوا الجماهير الجائعة في الساحات..والأدهى والأمر أن لا الغربان أنفسهم ولا الجمهور يدركون لعبة المخططات التي باتت اللوبيات ترسمها منذ أمد بعيد ..ابتداء من مشروع ربط برلين ببغداد عبر روسيا مرور بسيس بيكو  وصولا إلى تفكيك القوى العربية  وما خفي كان أعظم ...ماذا عن موقفي من الثورة العربية ، هي تمويه وشتم ذكاء الإنسان العربي المسلم  ولعل المقطعين أعلاه ، خير ترجمة..فما جدوى الربيع  وزهره محاكمة شخص من طرف نظامه أو محاكمة الرئيس دون التفات إلى اجتثاث جذور النظام ..ما جدوى تغيير الأشخاص في ظل دستور كرس الصلاحيات كلها للحاكم ؟ ما ننتظر من أنظمة تغير دساتير بلادها إرضاء للحاكم؟ وما....وما

الفكرة/البناء /الموقف
هذا السؤال  افضلُ من يجيب عليه هو الأستاذ مساعد علال نفسه ، باعتباره صاحب الحكم ..لكن نظرا لوزنه سأحاول أن أتطاول سواء نلت حسنتين أو نابتني واحدة فقط. ..
  على إثر قراءته لمشروع الرواية، " عودة الروح" أو الهجرة المعكوسة"عفوا الرواية قبل طبعها،كاتبني الأستاذ علال مساعد قائلا:" إذا كنت تستهدف الجمهور الواسع فعليك أن تبسط بعض الأمور على مستوى اللغة ،حتى يستطيع القارئ العادي ملامسة الفكرة
وإن عنّ لك الاكتفاء بالنخبة فلا بأس" من خلال حديث الأستاذ الكريم ، علال مساعد نرى ان قراءته للنص لامست معناه ومبناه، فالفكرة التي يتمحور عليها النص هي سهلة ممتنعة مفادها أن التغيير الذي ننشده لن نصل إليه ولن يتأتى لنا من الخارج بل من الداخل فالهجرة هروب والهروب ليس مواجهة ولن يحل المعضلة ...واستيعاب الفكرة من لدن الشباب الهارب يتطلب وعيا بالمواطنة الحقة...أما عن البناء فأظن أن ناقدنا يقصد به الشكل الفني الذي صيغت من خلاله الفكرة وهو كما تعلم عناصر شتى كالعناصر الفاعلة في الحدث الروائي ومدى توظيفها من طرف الروائي ..البنيات العاملية ... الخطاطة السردية...أما عن الموقف فاعتقد ان المقصود ببساطة هو موقف الكاتب الروائي من ظاهرة الهجرة ...

الرواية المغربية /العربية،
الفن الروائي كما تعلم ليس عربيا أصيلا بل عمره في الثقافة العربية جد قصير مقارنة مع ديوان العرب "الشعر". دخلها عن طريق الترجمة ثم التقليد ثم المحاكاة ، عن مسافة زمنية  بعيدة، نتخذ من الغرب قبلة -لا يمكن الصلاة في محراب الرواية إلا في الغرب -، بمعنى ان الروائي المغربي والعربي لم يبدع يوما في هذا المجال ، بمعنى كتب الرواية الكلاسيكية وهي غربية واخرى رومانسية وهي منظومة ثقافية غربية ، وسريالية ويكفي اسمها دليلا على اصلها...فاين الرواية العربية ؟  هل هي امتداد للسرد العربي القديم ؟ كالرحلة مثلا ؟  حسب رايي المتواضع الروائي العربي  يكتب الرواية الغربية بموضوعات عربية ولغة عربية ، ليس لهذه الرواية بنى فنية عربية (كالقصيدة مثلا ، عربية بإيقاعاتها بأخيلتها بصورها وبأنساقها الثقافية ) حتى المصطلحات النقدية غربية وضع مفاهيمها الغرب ،  حسبنا  ان نقف عند مايسمى بالبنية العاملية او الخطاطة السردية لنعلم أنها مفاهيم غربية لنقاد غربيين (كريمس مثلا) أين تكمن عروبتها ؟ كيف يمكن تاصيل الرواية وهي بنت الغرب لا تملك من العروبة سوى حرفها ..
هذا لا يعني ان الروائيين العرب دون مستوى نظرائهم الغربيين ، بل يفوقونهم أحيانا يكفي أن نذكر بعض الأسماء العربية وما حققته رواياتهم من نجاح : أمين معلوف -ع الرحمان منيف  - يوسف ادريس - واسني الأعرج -أحلام مستغانمي - محمد شكري -عبد الله العروي  - محمد برادة  وغيرهم كثير...

أم سلام
هي رواية  عاطفية تبدو بسيطة  كما أعتقد - من منظور القارئ العادي  لا الناقد الأكاديمي -  تستمد قوتها من عناصر بنيتها فالمتن الحكائي تؤثثه  فكرة  مفادها أن الحب وحده في العلاقة بين الرجل والمرأة خاصة في  المجتمعات ذات العقائد الراسخة ،والتقاليد الراسخة  مهما بلغ من توحد الذاتين في ذات واحدة قد تعصف به إكراهات ، وقد تكون له نتائج جد وخيمة...
ضمن القوى العاملة في النص الجنين الذي تحمله أم سلام في أحشائها من حبيبها .هذا المخلوق النطفي يعاني من الألم من جراء هذه العلاقة ...خاصة لما يصطدم به عضو آخر غير عضو والده ..يعيش عالمه يتلمظ شكواه ..لا أحد يسمع انينه ، يتحسر وهو يرى والدته تعيش اغتربا في حياتها الجديدة ..يرغب في معانقة واده ...وسلام صنعه الحبيبا ن من محظ خيالهما ، وضعا له تصميما مشتركا مع احتكار الأم  واستبدادها برأيها في الب الأحيان ...كانا يرجيان التخصيب لما بعد الزواج ...لكن حدث المحظور في لقاء ..بعده مباشرة  حدثت القطيعة دون علم الحبيبب بحمل حبيبته...وكان الهاتف النقال كقوة فاعلة مطلعا على كل الأسرار  وعاش معانيات كبيرة ...
اكتفي بهذا القدر حتى اترك القراء يمارسون اقترافاتهم
وشكرا والسلام
                             عيسى حموتي أوري 06/05/2013


حفل توقيع " أوتار النزيف



حفل توقيع

" أوتار النزيف " ديوان للشاعر عبد العزيز أبو شيار


بالمقهى الأدبي – وجدة—متابعة عيسى حموتي

افتتحت الأمسية كالعادة بكلمة ترحيب، جدد فيها الروائي محمد العرجوني الترحاب بالمرتادينن و خص بالترحاب الوافدين الجدد...تناول مسير الجلسة الزجال جمال الخلادي ، استهلها بالثناء على المقهى الأدبي، وعلى مقهى لاميرابيل، ثم قدم ورقة عن المحتفى به كشاعر وكموسيقي هاوي ،ثم فسح المجال للفنان أحمد الطاهر ليوقع نغمات على أوتار العود لا أوتار النزيف
المداخلة الأولى للدكتور عبد السلام بوسنينه، أشاد في مستهلها بقيمة الشاعر أبو شيار، بعد المرور على العنوان والإهداء كمشيرات لها دلالتها، في مقاربة موضوعاية لخص مجموعة من التيمات التي طبعت الديوان من بينها نون النسوة، والهجرة والاغتراب...إلى جانب حضور معادل النكبة من خلال شقي النواح من جهة واستنهاض الهمم من أخرى..
أما الدكتور محمد ماني، فلم يفته المرور على قراءة عنوان النص في شقيه التركيبي والدلالي ، ليمضي إلى سبر أغوار الديوان قيد التقديم ، من حيث الموضوع سجل حضور هم الذات وهموم الجماعة في كليهما نبرة الحزن والتعاسة ،ثم مضى إلى الحديث من الرؤية الشعرية التي تتجسد في رفض الواقع واستشراف عالم جديد...لينهي مداخلته باللغة الشعرية عند أبي شيار تمتح من معاجم مختلفة تلتقي عند عنصر المأساوية مع بصيص من الأمل في آخر النفق المظلم...كعادته أبى الشاعر محمد ماني إلى أن يلقي قصيدة أثنى فيها المحتفى به
آلت الكلمة للمحتفى به، جدد بدوره الإشادة بالمقهى الأدبي وفرسانه ، فألقى قصيدة على مسامع الحاضرين تحت عنوان "ألطاف الروح" تلت ذلك وصلة موسيقية ، ثم عودة إلى القصيدة كانت هذه المرة بعنوان: "جنابة الشيطان صاحبتها نغمات نقر على العود ...ظرب المقهى موعدا لرواده مع الشاعر الحبير محمد الرويسي في الأسبوع الثالث من الشهر الجاري...

رواية "الموريسكي": تنفس التاريخ من ثنايا النص

رواية "الموريسكي": تنفس التاريخ من ثنايا النص



*إدريس يزيدي: شاعر مغربي مقيم في بلجيكا
Drisss.yazidii@gmail.com


تأتي الرواية التاريخية لتملأ الفراغات التي تتخلل سيرورة الأحداث، وهذا ما جعلها جنسا أدبيا ذا حساسية مفرطة، لا من حيث الكتابة ولا من حيث التلقي. لأنها قراءة جديدة للمعطيات التاريخية.
في هذا السياق تأتي رواية " الموريسكي" للمؤرخ المغربي والناطق الرسمي باسم القصر الملكي سابقا حسن أوريد الصادرة عن دار أبي رقراق للطباعة والنشر بترجمة عبد الكريم الجويطي. وقد اعتمد الكاتب كتاب " ناصر الدين على القوم الكافرين" لشهاب الدين أفوقاي ليحبك في حضنه مرويته.

من خلال الإهداء الذي يتصدر الرواية ينتابنا شعور بأننا أمام مسلسل من المأساة التي صنعتها محاكم التفتيش في حق نسيج من البشرية ظلوا على هامش التاريخ منذ أن سالت دماؤهم وأُخرجوا من ديارهم، ولكن هذا الشعور ما يلبث حتى يزايلنا عندما نجتاز الصفحات الأولى من النص. إذ نُلفي أنفسنا أمام سيرة رجل من الموريسكيين هو بيدروـ أحمد شهاب الدين، رجل حالفه الحظ ـ من بين جماهير الموريسكيين ـ فكان من حاشية السلطان المنصور الذهبي، لتسترسل الرواية ـ في سوادها الأعظم ـ في حكي سيرته. وقد كان أبوه يلقنه العربية والفقه خفيةً في الأندلس بينما كانت زهرة ـ شقيقة الراوي ـ تعاني الأمرين من تقمص شخصية غير شخصيتها إذ كانت تظهر المسيحية وتخفي الإسلام، وها هي ذي تسر لأخيها بعدما برمت من لعب هذا الدور: " طيب يا بيدرو أو يا احمد ـ كما تريد ـ أنا متعبة من العيش مسلمة في داخل البيت ومسيحية في الخارج. في يوم ما سيتكشف كل شيء" ص44 ثم يسكت النص عن معاناتها بضع صفحات ليفاجئنا بأنها قتلت في ظروف غامضة وماتت ميتتة بشعة:" دييغو، عثرنا على جثة ابنتك غير بعيد من النهر، وجسدها مشوه تعرض للتمثيل"ص52 ، ثم بعد ذلك بشهور يموت والدها متأثرا بفراقها ليقرر الإبن ـ الراوي الهجرة إلى المغرب تاركا أمه ذات الأصول المسيحية تقضي باقي أيامها في أحد الأديرة " انزوت والدتي في دير للدومينكان. كان حزنها أكبر من كل اعتقاد ديني" ص54.
 عدا هذه المشاهد الميلودرامية، نرى أن البيئة الموريسكية، المثخونة بالجراح، لا يتم التعرض لها إلا على استحياء، بينما يتم طمس عتبة النص التي ظلت عالقة في ذهن القارئ وهو يحاول أن يسبر شيئا من أغوار البشاعة التي أتقنتها محاكم التفتيش باسم المسيحية. خاصة عندما يلفظ النص الجزء الأول من الرواية المعنون ب" بلدة الحجر الأحمر في خاصرة جبال البشارات 1585ـ1595" ويشرع في الجزء الثاني المعنون ب" مرلكش 1598ـ 1603"  وهكذا يلقي بنا النص في تيه المغامرات التي يخوضها الراوي والتي تحط به في مراكش في كنف السلطان (المنصور الذهبي) ليبتعد بنا النص عن تيمته ويلقي بنا في أتون المؤامرات التي تحاك ضد السلطان والتمزق الذي عرفه حكمه والذي شهده الراوي شهاب الدين. والذي يشفع لورود هذه التفاصيل في ثنايا النص الموريسكي هو أن الأقدار تريد أن تري الراوي ـ رأي العين ـ السبب الرئيس الكامن وراء نكبتهم، ألا وهو صراع الخلفاء الذي أدى إلى انقسام الأندلس إلى مجموعة من الإمارات الصغيرة المتطاحنة والتي سُميت بمماليك الطوائف، وهذا، يمكن اعتباره، نوعا من التجانس مع الحالة التي دفعت إلى نشأة أزمة الموريسكيين. ولكن الكاتب أطنب في تلك التفاصيل حتى توارى الإنسان الموريسكي على مدار صفحات كان الأجدر أن يستدعي فيها عتبة النص التي توارت بدورها.

باعتبار أن الكاتب قد اعتمد على التاريخ والمتخيل،فقد اختار أن تكون شخصية شهاب الدين غير انهزامية، و هذا ما يبرر تنصيبها نموذجا للموريسكيين، فهو لم يركن إلى البكاء على الماضي وإنما راح يستغل قربه من السلطان المغربي ليشرح مظلومية قومه للعالم من خلال هولندا وفرنسا " كلفني السلطام مولاي زيدان بترأس الوفد المتوجه لبعض البلدان الأوربية لإخطارهم بالضرر الذي لحق بالمورسيكيين والتدخل لدى السلطات الإفرنجية لاسترداد ممتلكاتهم التي صادرها القراصنة الإفرنج" ص118 ولكن أية قوة هاته التي تكمن في شخصيته إلى درجة أنه نسي ـ أو تناسىـ أهم فرد من ألائك الذين راح يضرب في الأرض ينتصر لهم؟ فهو لم يتذكر أمه إلا وهو واقف أمام الكعبة في أيامه الأخيرة" ما أن رأيت الكعبة حتى بكيت بدموع حارة، تراءى لي من أحبهم وبكيت، بكيت أهلى الموريسكيين، ضحايا أبشع الفظاعات، بكيت أبي وأمي وأختي زهرة" ص114/115، بل كان معه من الوقت ما يجعله ينسج علاقة غرامية مع امرأة باريسية وهو نفسه يتعجب من نفسه"  أي قدر هو قدري! هربت من العقيدة المسيحية وصَغار من يتصرفون باسمها، وآليت على نفسي أن أقوم بمهمة دحضها...  وها هي أوجيني تزعزع كل الحجج التي أتسلح بها" ص145. فهل هذه طبيعة بشرية صرف، حتى وإن كان الإنسان يحمل على عاتقه مظلومية شعب بأكمله؟ أم أنه ضرب من ضروب تجسير الهوة بين حلقات السرد؟ أم أنها حقا منطقة رمادية في شخصية شهاب الدين؟  

كما أن النص، باعتباره رواية تاريخية تمنح التاريخَ متنفسا من بين ثناياها، لم تكن لها تلك الواقعية التي ينبغي أن يستشعرها القارئ، إذ في كثير من الأحيان نجد ترجيعا وصدى لجملة من الأفكار السياسية المعاصرة كاستعمال الدين للوصول إلى الحكم،" إنها طريقة لاستعمال الدين من أجل أهداف سياسية" ص 175، إلى درجة أنه انفلتَ من الكاتب العنصر الأهم في الرواية، عموم الرواية، ألا وهو عنصر الإيهام، إذ طفق يتهافت، خاصة في الصفحات الأخيرة التي بدت أنها بعيدة تماما عن تيمة النص، ليقول ما أخفق في قوله وهو يزاول عملية السرد.

كما أسلفنا الذكر. لقد كانت الرواية تنهي إلينا تفاصيل عن فترة حكم المنصور الذهبي وشقاق أبنائه حول الحكم بعد مماته. الشيء الذي يوحي لنا أن مادة الكاتب في هذا الصدد كانت شحيحة للغاية، فهو لم يتعرض لنكبات الموريسكيين إلا لماما، بعدما وخز فضول القارئ بشوكة الشوق إلى معرفة مسلسل المجازر الذي ألفه رجال الدين المسيح وأخرجته محاكم التفتيش أبشع إخراج، فها هي إحدى الحلقات الأكثر رحمة وشفقة " أججت النار، ووضعت ....قبعات صفراء على رؤوس المحكوم عليهم وألقيا في النار" ص27. بعد هذا تواصل السرد ينتهز الفرصة تلو الفرصة ليبث حسراته على ما آل إليه الموريسكيون، فها هو رودييس ـ احد الوريسكيين المهجرين ـ يقول لشهاب الدين: " لأنك تحمل جرحنا وستعرف كيف تحافظ على الجذوة" ص 182/183. هكذا كلما أوغلنا في قراءة النص أحسسنا أن تيمته قد استُنفدتْ ولم يبق منها إلا شظايا بكائيات مدسوسة في خبايا النص  هنا وهناك. كذلك هو الشأن عندما يحاول رودييس أن يبرر مزاولته لعملية القرصنة فيقول: " إنه الجهاد البحري ضد الكفار وأيضا للإنتقام للموريسكيين الذين طردوا من ديارهم" ص190، لم يكن هذا إلا تحويرا يخدم تيمة النص بشكل ملحوظ ومفضوح ومحاولة لحشو الرواية بالنص الموازي ولو عنوة وقسرا. ولكن ما تلبث الرواية حتى تكاشفنا بالحقيقة الكامنة وراء لجوء رودييس إلى القرصنة حين يؤبنه شهاب الدين في يوم مماته: "أما أخطاؤه فهي وليدة الزمن الذي اضطرب فيه" ص196       


إن  أزمة الإنسان الموريسكي في أوجها ـ في نطاق الرواية ـ ليستْ إلا ذكرى للبطل شهاب الدين. أما الذين عاشوا اللحظة بمنتهى القسوة إبان انبثاقها فلا شك كانت أكثر دموية وبربرية. فالرواية لم تقدم لنا تقصيا للمأساة، بل مجدر شهادة لا نجد فيها سوى العزاء. وأظن أن كاتبنا قد زل قلمه عندما أقرّ بهذه الحقيقة على لسان الراوي: " وأشعر بواجب الإدلاء بالشهادة حول مأساتهم، مثلما أجد في هذا عزاء لي" ص200


لكنها تظل رواية تُحسب لصاحبها، فالرواية من حيث معالجتها للتاريخ سيكون لها ما بعدها على الرغم من المؤاخذات التي أشرنا إليها آنفا.أما الرسالة المتوخاة من ورائها فقد استطاعت أن تقرع باب التاريخ المسكوت عنه ولو بهدوء قاتل.. فعلى أقل تقدير، استطاع الكاتب أن يضع أصبعه على الجرح الغائر في جسد الأمة، ألا وهو ضياع الأندلس والذي جر في ذيوله نكسة الموريسكيين التي تمخضت عن حيرتهم على مدى النكبات، فها هو ذا شهاب الدين يبث شكواه في الصفحة ما قبل الأخيرة: " كنا بالنسبة للقشتاليين مسيحيين سيئين، ونحن مسلمون سيئون بالنسبة لبعض المورو، ولم يتح لنا، في الحالتين، أن نعبر عن أنفسنا" ص218، إنهم لم يجدوا بساطا يثبتون عليه وجودهم إلا بساط هذه الصفحات،  والمشوار مازال طويلا للكتابة في هذه المادة، مع بقاء الفضل للدكتور حسن أوريد الذي أثبت  جاهزية الرواية لكي تملأ الفراغ الذي خلفه التاريخ.









قراءة في مجموعة "الرّقم المعلوم" القصصية


قراءة في مجموعة "الرّقم المعلوم" القصصية
 لمحمد مباركي
 
بقلم الناقد رشيد سوسان


تقع مجموعة "الرّقم المعلوم"، للكاتب المبدع محمد مباركي في 146 صفحة من القطع المتوسط، وتضم 30 قصة قصيرة تختلف من حيث الطول ونوع التيمة وتحتل مواقع لاتحترم التتابع الكرونولوجي لميلادها، ولكن أغلبها كتب ما بين شهر أبريل 2009 وشهر ديسمبر 2009 ما عدا واحدة كتبت في شهر يونيو 2010.

صدرت المجموعة عن منشورات ديهيا بأبركان، وارتأى صاحبها أن يتصرف في عنوان إحدى القصص وينتخبه عنوانا للمجموعة، ربما لكون هذا العنوان يتسع للتعبير على هواجس وانشغالات الكاتب. أما الغلاف فزُيِّن بلوحة تنطوي على أربع مكونات :1- نصف صورة لوجه الكاتب (هل يدل النصف الغائب من الوجه على نفسية ذات طبيعة يغلب عليها الخجل؟) خصوصا وأن العنوان يشير إلى مكان معروف لدى شباب وجدة خلال الستينيات من القرن الماضي والكاتب يعرف ذلك جيدا. 2- أما العناصر الأخرى فهي عبارة عن أطياف لأجساد بشرية بأربعة ألوان الأزرق القاتم والأصفر والأحمر والعسلي، وُضعت على أرضية من ثلاثة ألوان الأزرق والأخضر والأبيض. هذه اللوحة تصرَّف الكاتب أو الناشر قليلا في عناصرها ليضعها في الوجه الآخر من الغلاف.( شخصيا لا أثق إلا نادرا في لوحة الغلاف باعتبارها عتبة دالة، إلا إذا صرح الكاتب باختياره لها.)

تيمات المجموعة متنوعة غير أن أسلوب معالجتها ينقسم إلى طرق ثلاث:

1- يتوحد في بعضها الكاتب والسارد مع صاحب الحكاية (الشخصية المحكي عنها) متلبسا بضمير المتكلم، فتوهم القصة بنوع من البوح والاعتراف؛ كما هو شأن: "شبه"، "في يوم رمضان"، "كلمات"، "عدْوتان".

2- أما في بعضها فيحكي السارد عن الغير ويأخذ حريته للتعبير عما يتعلق بالشخص صاحب الحكاية من الناحية النفسية والسلوكية؛ كما في: "المجذوب"، "فيلم"، "حيوانات بوكماخ وشيخ البركة"، "مخبر"، "السيد (س)"، "لقاء"، "وجه أسود قلب أبيض"، "انتقال تأديبي"، "الممكن"، "عودة إلى وجدة"، "زفاف كلب"، "هربت"، "زنقة الرّقم المعلوم"، "رحم الله دايدي"، "الكاتب وصاحب العربة"، "إلى أهلي"، "ولدعيشة"، "أعزائي الأموات"، "الصبي و الكتاب"، " أطول رسالة" ، "تحية تحت المطر"، "حمادي".

3- أما النوع الثالث فيمزج فيه الكاتب بين الطريقتين، فيحضر السارد عبر ضمير المتكلم ويحضر الآخر عبر ضمير الغائب كما في: "المدينة الصغيرة" ، "صاحب الجسد المكور"، "صاحبة الوجه القمحي".

يبرهن الأستاذ محمد مباركي في هذه المجموعة كما في روايته "جدار" على أنه كاتب واسع الخيال وذو طاقة إبداعية نادرة؛ له قدرة مذهلة على التقاط مواضيع قصصه من الواقع الذي يُمِده بنماذج يجد فيها الكاتب مواضيع للحكي قلما ينضب معينها فتتحول بفضل يراعه إلى عوالم شيقة تنم عن قدرة

في الإبداع لا تتوفر إلا لدى كبار الكتاب؛ فإن لم يجد في الواقع ما يغري بالكتابة، وذلك ما لا يحدث إلا نادرا، التفت إلى القضايا الإنسانية والحقوقية التي تشغل بال المثقفين والمناضلين الملتزمين، الشيء الذي يفسر غزارة إنتاجه؛ فما بين شهر أبريل 2009 وشهر ديسمبر 2009 كتب 29 قصة أي بمعدل ما يقرب من أربع قصص في الشهر الواحد مما يدفع المتتبع إلى أن يستنتج مطمئنا أن الكاتب يجد راحته في الكتابة.

وذلك ما يجعل القارئ يلمس انسيابية وغنى في ما يكتب الأستاذ محمد مباركي، بلغة سليمة تتجلل بجمالية أخاذة تغري بالقراءة وإعادة القراءة.

 
Design by Free WordPress Themes | Bloggerized by Lasantha - Premium Blogger Themes | Best Buy Coupons تعريب : ق,ب,م