الأربعاء، 22 مايو 2013

اللغة الشعرية والتركيب الإيقاعي في ديوان: (ما يهمُّ النجمَ...يهُمُّني) للشاعر محمد الرويسي/محمد الدخيسي

اللغة الشعرية والتركيب الإيقاعي
في ديوان: (ما يهمُّ النجمَ...يهُمُّني)
للشاعر محمد الرويسي

إنجاز: د. محمد أبو أسامة دخيسي

تقديم:
(ما يهمُّ النجم.. يهمني)[1]، بناءٌ تركيبيٌّ لغوِيٌّ، ينهل من المعجم اليومي ألفاظَه، ومن التراث الأدبي سماتِه، ومن الملحق الإيقاعي صوتَه ورناتِه.. يختار الشاعر محمد الرويسي أن يكون بين المنفَتِحِ على التيار التقليدي من خلال التعبير المحافِظ على بنية الكلمة والعبارة الشعرية، وبين الحداثي الذي ينهل من تراث الشعر العالمي والعربي خاصة، ويختار البنيةَ الموسيقية أسّاً لتعميق التثاقف مع الآخر.
محمد الرويسي، إذاً شاعرٌ يعتمد على الوقائع الاجتماعية والإنسانية، ومن خلال توظيفه للقضايا ذاتِها، نلمَسُ تمثيلا واقعيّاً للفظة والعبارة.
كما أنه يحاكي النمَط المقطعيَّ للشعر، حتى تتوازى المقاطعُ دلاليا وصوتيا وإيقاعيا، تُحدِث رنَّةً موسيقية مسايِرةً لكل فصولِ الديوان.

1- اللغة الشعرية: بين التقريري والشعري:
حين نتحدث عن اللغة تتعلق بالأذهان بعضُ التعريفات التي صاغها علماءُ اللغةِ العربُ القدامى، وهي جامعة مانعة لكثير من الفوضى التي تعيشها اللغةُ عامة واللغةُ الشعرية خاصة. وهنا نقف عند الإمام عبد القاهر الجرجاني الذي قسم معنى اللفظ في اللغة العربية ومنه العبارة/ الدلالة إلى قسمين أو ضربين: "ضرب أنت تصِلُ منه بدلالة اللفظ وحدِه وذلك إذا قصدتَ لأن تُخبر عن زيد مثلا بالخروج على الحقيقة، فقلت: خرج زيد... وضربٌ آخر أنت لا تصل منه إلى الغرض بدلالة اللفظ وحدِه ولكن يدُلُّك اللفظُ على معناهُ الذي يقتضيه موضوعُه في اللغة ثم تجدُ لذلك المعنى دلالةً ثانية تَصل بها إلى الغرض."[2]
استحضرتُ هذا النص النقدي التراثي لأضع القارئ أمام نقطتين:
أولاهما: تتعلق باللغة الشعرية التي تتسم بالانزياح الدلالي في الغالب، فيختار الشاعر القصد الثاني من تعريف الجرجاني.
ثانيهما: الهدف المنهجي المتمثل في تقسيم اللغة الشعرية في ديوان (ما يهم النجم.. يهمني) لمحمد الرويسي وفقا لهذا المعطى النظري.
وإضافة إلى هذا التقسيم نشير إلى أن اللغة الشعرية لا يمكنها أن تسمو إلا إذا تخطت المعنى الأول إلى المعنى الثاني، فيكونَ الهدفُ من قراءة النص تذوقَ الكلمةِ والعبارة والتركيب، لأن إدراك الكلمة لا يقف عند كونها مجردَ إشارةٍ منفصلةٍ عما تشير إليه، بل هي منذ القديم مرتبطةٌ بنظام معياري معيَّنٍ، وهذا المعيار يمكن الانزياح عنه في اتجاهات بلاغيةٍ متنوِّعةٍ. وهنا أيضا نقف عند مفهوم الغرابة أو الغموض أو الإبهام في الشعر، وهذا الموقف يبقى مسألةً اعتباريةً يتحكم فيه القارئ المتلقي بمستوياته التي عرفتها نظرية التلقي ( القارئ النموذجي مثلا)، وللقارئ واسع النظر في تأويل الكلمة والتركيب الدلالي بالعودة طبعا إلى صلته باللغة ومرجعياتِه المعرفية والثقافية وغيرها..
بعد هذا الجرد النظري، نقف حينا عند التقسيم السابق، لنقول إن الديوان المدروس يجعل من العنصرين لبنة أساسية في تقديم اللغة الشعرية، ومن ثمة يمكن أن نضع لكل عنصر قراءةً معينةً مسيجةً بالدلائل والحجج من المتن ذاته.
1-1- اللغة العادية: لغة الوضوح والتكثيف الدلالي:
نقصد باللغة العادية هنا، ما قام بتقديمه الشاعر محمد الرويسي في ديوانه (ما يهم النجم.. يهمني) في جزئه الأول المعنون ب (لا تهان ولا تضامْ)، إذ نجد علاقة وطيدة بين ذات الشاعر وذات نصوصه الشعرية. ويقف عند إثارة الومضة الشعرية بالتركيز على الكلمات/ المفتاح في كل نص.
يقول في قصيدة (وهبَّتْ ريح):
وهبَّتْ ريحْ
سارتْ برماده
عبر دروب الرفض
في الوطن الجريحْ
أسرَّ للشعب
ها طريقك كي تستريح[3]
فالملاحظ من خلال أول عبارة أن الأمر يتعلق بريح أتت أكلها على واقع معين، وهي لغة عادية يومية، والعلاقة بين العبارة والقصد الذي يقدمه الشاعر يظهر مباشرة بعد قراءة المقطع الأول، إذ يتضح جليا دون نقاش أنه يتعلق ب(ريح الكناسين)[4] كما وصفها الروائي يحيى بزغود في إحدى رواياته، ثم يتدرجُ في تخصيصِ الموقف إلى أن يصل في المقطع الثالث بقوله:
البوعزيزيُّ
العطر الزّكيُّ[5]
وحين قررنا سابقا أن يكون للشاعر محمد الرويسي في كل نص مفتاحاً يدل به على مقصديَّتِه، فإن ذلك يسير في النصوص أغلبها، إذ إلى جانب القصيدة الأولى التي جعل لفظةَ (البوعزيزي) أيقوناً يُحيل على موضوع مَعلوم، فإنه خص النصَّ الموالي بلفظة (مِصرَ) في المقطع الأخير ليُحَرِّكَ وجدانَ المتلقي العربي، ويحفزَه على تناول القضية الوطنية والقضية القومية بكل جدية، فيبدأ نصه بخطاب موجه إلى ضمير المخاطبة أنتِ، ويستدرج القارئَ ليضعَهُ في آخر النص عند نقطة الحسم.
نقرأ في أول قصيدة (اسقِ الشرارة بالدم):
شدِّي على جمْرِ القداسة واصعدي
استنشقي عطرَ الكرامة واسعَدي
...
ليصل إلى قوله في المقطع الأخير:
يا مصرُ هل لي من سندٍ
إن لم تكوني سندي..[6]
وهو ما نسجله أيضا في نصه (أسَيْوِدٌ من ورقْ)، والأسَيْوِدُ تصغيرُ الأسد، والقصد واضح هو الأسد رئيس سوريا حاليا، ونتبين ذلك من خلال استرسالِ الشاعر محمد الرويسي بذكر مجموعة من الرموز الشعرية التي يُضفيها على دول بعينها (المعري، أبو ريشة، ابن الوردي، أبو تمام، البحتري..) ويخص الأسدَ بقوله:
أسدٌ على عُزّلٍ
وفي الوغى نعامةٌ جرباءْ
حفْنَةُ ضَعْفٍ
هَبْوَةٌ من هباءْ[7]
ويمكن تسجيل الملاحظةِ ذاتِها في نص (طلعتَ عليهم ظلاما) بحديثه عن ثورة ليبيا، والمؤشر الدال في النص نكتشفه مباشرة بعد أول مقطع حين يقول الشاعر:
أزرى بهم على التيه
أربعين عاما
تقاذَفَتْهم نزواتُه وبالا
فصاروا نياما[8]
فتأكيدنا المسْبَقُ على كون محمد الرويسي يختار التقريرَ المباشر في حل القضايا والحديثِ عن الموضوع بثقة يجعله يؤشر على تيمته منذ بداية نصوصه. وهذه القضية تحيلُنا على الذاتي والموضوعي في النص الشعري، فالشعر شعور وانطلاقه من ذات الشاعر يعطيه قوةَ التأثير وتفاعلَ المتلقي الذي يقرأ النص مرارا للبحث عن مفاتيح تأويله.
لذلك فتحَوُّلُ الشاعر من المحور الأول أو الجزء الأول  (لا تهانُ ولا تضامْ) من ديوانه، إلى الجزء الثاني بعنوان (هسيس الهيام)[9]؛ انتقال جوهري من الموضوع إلى الذات، لذلك يسترجع الشاعر سماتِه الشعريةَ ليقف القارئ عند دلالاته بكثير من التريث والتمهل.

1- 2- حديث الذات: نحو لغة شعرية:
يمكن الفصل في هذا التوجه بين سمتين أساسيتين:
الأولى تتعلق بضمير المتكلم: فالشاعر محمد الرويسي يختار الحديث عن ذاته بكل شفافية انطلاقا من ذات حزينة لضَياعِ الحلم العربي تارة أو لضياع الحلم المرادف للعشق تارة أخرى.
يقول في نص (ما يهم النجم.. يهمني):
بعشقي أراني
بفؤادي أحوطني
معمودٌ أنا
الظمياء سلمى تسبي عيوني
قلبي وعقلي كفتا ميزاني
سري وجهري
تحت سقف لساني[10]
فتكرار ياء المتكلم، وما يدل عليه في هذا المقطع يخلق نوعا من التكثيف الدلالي لعنصر الذات في هذا النص، وهو يحمل عنوان المجموعة الشعرية، مما يدل على أهميته في النسق الشعري للشاعر، وفي تأثيث الفضاء الشعري لديه.
فالنجم صفة للآخر، صفةٌ متحوِّلة عن الذات الشخصية الفردية إلى الذات الأخرى والذاتِ الجمعية. ويتيه في فضاء الكون كما هو فضاءُ شعرِه بين النجوم والكواكب، بين المشتري والزهرة والشمس أم النجوم:
يا شمسُ
يا أمَّ النجوم
وأمَّ أرضي
يا من بَلَغَتْ بي شأوها[11]
وإذا حاولنا أن نعدِّدَ ضمير المتكلم في هذا النص فلن يمر أي سطر دون تعداد واحد أو اثنين. وبالرغم من اكتراث الشاعر بهذا الأمر فإن الموضوع أيضا يبدو واضحا، لأن اللغة تسير وفق ما يرتضيه المبدع بالاستسلام لها والتعبيرِ عنها بأبسط المعاني والدلالات.
أما ثاني السمتين فتتعلق بالانتقال من الذات إلى الآخر حيث يجعل محمد الرويسي الشعر جسرا فاتنا ومؤثرا، فيأخذ على عاتقه الحكي عنه وبه مرفأ آمنا.
يقول في نص (يا ابنة الديوان):
عوِّلي على الرحيلْ
..
يا ابنةَ الديوان
رتليني آيةً
عند معبدِكِ الجليلْ
وانثريني حكما
على هواكِ العليلْ
خَضِّبي كفَّ خيالي
بدم الرفضِ
واروِ شتائلي بالسلسبيلْ[12]
لينتقل إلى تبرير الوضوح في شعره فيعتبره قوةً إيحائية تقَرِّبُه من المتلقي، وتجعلُ شعرَه دليلا على ارتباطه بذاته أولا وبالقضايا الوطنية والإنسانية ثانيا، يقول في قصيدته (أخاف أن أسبق خطوي):
أخاف أن أسبق خطوي
تهرب مني أنايَ
فلا أبقى أنا
أمشي على شبقي
فوق المفاتنِ هائما
أجني من دواليها عنبا
أعصرها خمراً
يلوِّنُ صَحْوَنا[13]
لكن بالرغم من ذلك يمكن أن نستثمر بعضَ الدلالات الخفية في النصوص التي تستحوذ على الجزء الثالث (أناشيد للسلام) والرابع (أقداح من مُدام)، ومن ثمة يمكن التأكيد أن الجزء الثاني الذي سبق التأشير إليه من خلال قصيدة (ما يهم النجم.. يهمني) يبقى دالا على صفة الذات، وتعبيرا عنها بالضمائر المتكلمة حسب مقتضى الحال.
1-3- لغة الإشارة والرمز:
في إطار الحديث دائما عن اللغة الشعرية نقف عند المحور الثاني الذي خص الجزأين الثالث والرابع، حيث يتمتع الشاعر بسلطة القول فيسير جسدُ الشاعر كما يقول بارت وراءَ أفكاره الخاصة.. ذلك لأن جسدَه ليست له نفسُ أفكاره.[14]
ومعنى هذا أن الشاعر محمد الرويسي يتخطى ذاته للتعبير عن أفكاره، وهي أفكار ذات طابع إنساني، لذلك يقف بين الموضوعي والذاتي.
يقول في قصيدته (هل ذاك يرضيك؟):
في نزهة الهراواتْ
صار الشر أقوى
في عتمةِ الرداءات
تعرى وتقوى
بحثْنا.. بحثنا..
لا ستر في الطهرِ يغطيك
قاصيك يهزأ من دانيك[15]
فنلاحظ مدى التلاؤم بين الذاتي والموضوعي عبر جسر الأنا، فيختطف الشاعرُ الواقعَ ويجعله حزينا لحزن الشاعر والشخوص التي تعيش الحاضرَ ذاتَه بمآسيه وأوجاعه. كما أنه يلامس الواقعَ انطلاقا من القضايا الإنسانية والاجتماعية ويحاكي الآخرَ فيعكس تجلياتِه ومواقفه.
يقول في نص (لا تقولوا رحل)، وهو نص يؤرخ لرحيل شخص عزيز على الشاعر (الخمليشي):
اُدْنُ منا
فيفرح الفرح فينا
ويمضي الحزن عنا
وينأى
ستزهر في المحافل أهدابنا
وتفيض بالراح أعنابُنا
آهٍ لو تركْتَنا
ماذا لنا سيبقى
سيذيبنا الشوق
ويمحى من رسمنا ما تبقى[16]
والملاحظ أن الشاعر يملأ فراغات نصوصه بخطاب ثنائي بين ذاته وذات الآخر، وبذلك يحقق سياقَ النص انطلاقا من سياق المواقف والتجليات، فيراهنُ على الذات باعتبارها تجليا للواقع المعيش، ويحقق انصهارَه الأوَلي به ثم محاولَتُه التنفيسَ عن مآسيه بتطلعه إلى الأفضل.
وهذا الأمر هو الذي يُضفيه الشاعر على الجزء الأخير من ديوانه حيث نجده يقول مثلا في نص (هذه إليكِ وصيتي):
على مشانق الإيثارِ
زهرَةُ عمركِ أهديتها في آنيهْ
على مراكب الإبحارِ
صارعْتِ بي لججا
لا البحر أعياك
ولا الرياح العاتيهْ[17]
فيجعل الآخرَ دليلا له للتحدي ومجابهةِ أمواج الحياة بكل ما تحمله من مخاطر وأهوال. كما أن الشعر بالنسبة إليه مرفأ يستنجد به للتخطي والاحتماء من أهوال الواقع، وقد اختار الشاعر محمد الرويسي أن يكون بوابة الأمل في الحياة من خلال تسليمه بواقع مأساوي وحياةِ ما بعد الحياة الحالية، وهو بذلك يكتب وصيتَه كي يتركَ الأملَ في حياة الآخرين، يقول في القصيدة ذاتها:
هذي إليك وصيتي
نسجتها من نبض قلبي
فأرسليها فوقك برداً
في ظلال العافيهْ[18]

من خلال هذا التقديم الأولي حول اللغة الشعرية في ديوان (ما يهم النجم.. يهمني) للشاعر محمد الرويسي نستطيع التأكيد على قضايا نقدية ذات أهمية وهي:
أولا: اعتبار الذات الجسر الذي يوَقِّع به الشاعر قصائده، فينسجُ الرابطَ بين الواقع من جهة، والنصِّ الشعري من جهة ثانية، والمتلقي/ الآخر من جهة ثالثة.
ثانيا: احتمال اللغة أبعادا إنسانية من خلال مخاطبة الذات الأخرى/ الحب، أو نسج خيوط التعاطف مع واقع حزين يملأه الشاعر بأمله في الحياة وتعاطفا مع الروح الإنسانية عامة.
ثالثا: انطلاقا من تعاطفه، خاض الشاعر فوضى النص وتقريريةَ المصيرِ ومباشرةَ اللغة في نصوص جعلها وصفا لحالة راهنة يعيشها العالم العربي خاصة في ثوراته الأخيرة.

2- الإيقاع: التوازي الصوتي وجمالية الكلمة:
ما نسجله بعد خطوة اللغة، أن الشاعر محمد الرويسي كان اهتمامه بالإيقاع جليا خاصة في احتفائه بالصوت وبلاغةِ الكلمة إيقاعيا ليعطي الانطباعَ بالاستواء الخليلي. لذلك يختار الحفاظَ على القافية رمزا من رموز جمالية التركيب الإيقاعي في نصوصه.
ونستطيع التدليل على ذلك من خلال نصوص الديوان جميعه، لكن نقف فقط عند نموذج أولي. يقول الشاعر في قصيدته (ما يهم النجم.. يهمني):
ها أنذا أسقي المراعي
أخصِّبها تخصبني
ها أنذا ألقي المراسي
أحفزها تحرضني
أبحر في القرب وفي البعد
أصنفني أبيا
لا أصعر خذي
أرتبني وفيا
لا أسقط عهدي
أمضي
أحُلُّ
ألاقي
أهوى
أملُّ
أصلُ أهتدي[19]رأرتبني  
فنسجل الملاحظات التالية:
1- جرس الحروف: إذ يحاول الشاعر أن يختار الحروف ذات البعدِ الجَرَسي الموسيقي لدى المتلقي، فيحرك لديه هَسيسا لطيفا بتكرار الحاء والسين والصاد (دليلا على الحس المرهف).
2- الحفاظ على ياء المتكلم: مؤشرا على تناغم صوتي إيقاعي يرجع دوما إلى ذات الشاعر: أخصبها تخصبني، أحفزها تحفزني- أصنفها- أرتبني..
3- اعتماد التضاد الدلالي والصوتي: بين ضمير الغائب والمتكلم حينا، وبين الكلمات المتناقضة: أخصبها—تخصبني.. أصنفني أبيا= لا أصعِّر أمضي= أحل.. فبالرغم من أن الألفاظ تسير سيرا عموديا بتكرار ضمير المتكلم في أفعال مضارعة، إلا أن الشاعر ينَغِّمُها ويجعلها تُوَقِّعُ موسيقى تدلُّ على قوة الذات وحرصِها على التشبث بالآخر.
إلى جانب ذلك يحافظ الشاعر على قافيته وحرف رويه في أكثر نصوصه دليلا أيضا على محاولة ملامسة أذُنِ المتلقي، والتأثيرِ فيه انطلاقا من السمع أولا فالقلبِ ثانيا ثم الفكر ثالثا..
يقول في نص (لم تعد لي بالرفيق):
الصمتُ الصاعدُ من عماكَ
لم يعد يطربُ يا رفيقُ
ليتهُ أخرص نبضه
ليتهُ هجر النقيق
أجَشَّ صارَ
أعمى حتى النخاع أمسى
بغبائه ضلَّ الطريق


تركيب
نخلص من هذا التقديم -الذي لا يصل طبعا إلى مستوى القراءة العميقة- إلى كون الشاعر محمد الرويسي بنى نصوصَه الشعرية وَفقَ تمثيلٍ للذات أولا ثم الواقع ثانيا، وبالنظر إلى الصيرورة الفنية والتجربة الشعرية لديه نستطيع القولَ إن ديوانه (ما يهم النجم... يهمني) يعتبر قفزةً أولى نحو تخطي جزء من الواقع الخارجي، ليَتوغَّل إلى الواقع الذاتي بكل تجلياته، لكنه في الوقت ذاته يحافظ على السير العادي لنصوصه إيقاعيا بالحفاظ على نغم صوتي ودلالي متناسبين؛ والتناسب هنا يقترب من مفهومه عند القرطاجني الذي جعله في (منهاج البلغاء) تتويجا لحسن التأليف، يقول: "والتلاؤم يقع في الكلام على أنحاء: منها أن تكونَ حروفُ الكلام بالنظر إلى ائتلاف بعض حروف الكلمة مع بعضها".[20] وبذلك تتغذى العناصر الجمالية في النص الشعري، فتتوحدَ الدلالةُ والشكل والإيقاع، ويستمتع المتلقي نفسيا وفكريا بعيدا عن الغموض والإبهام.



العيون الشرقية في 2 رجب 1434هـ، الموافق ل 13 ماي 2013م.







[1]- محمد الرويسي: ما يهم النجم.. يهمني، مطبعة دار القرويين الدارالبيضاء، ط. 1، 2012.
[2]- الإمام عبد القاهر الجرجاني: دلائل الإعجاز (في علم المعاني)، دار المعرفة، بيروت، 1978، ص. 202.
[3]- محمد الرويسي: ما يهم النجم..يهمني، ص. 11.
[4]- يحيى بزغود،  رواية (ريح الكناسين)، مطبعة شركة الأنوار المغاربية، وجدة، ط. 1، 2011.
[5]- محمد الرويسي: ما يهم النجم..يهمني ، ص. 11
[6]- المصدر نفسه، ص. 15- 16.
[7]- نفسه، ص. 19
[8]- نفسه، ص. 21.
[9]- نفسه، ص 25.
[10]- نفسه، ص. 27.
[11]- نفسه، ص. 29.
[12]- نفسه، ص. 34
[13]- نفسه، ص. 40.
[14]- رولان بارت: لذة النص، ت. فؤاد صفا والحسين سبحان، (المعرفة الأدبية)، دار توبقال للنشر، ط. 1، 1988.
[15]- محمد الرويسي، ص. 64.
[16]- نفسه، ص. 80.
[17]- نفسه، ص. 96.
[18]- نفسه، ص. 98.
[19]-  نفسه، ص. 27- 28.
[20]- حازم القرطاجني: منهاج البلغاء، ص. 222- 223.

 
Design by Free WordPress Themes | Bloggerized by Lasantha - Premium Blogger Themes | Best Buy Coupons تعريب : ق,ب,م