الجمعة، 20 ديسمبر 2013

جنازة الأدب/بقلم عمر بنعمر

جنازة الأدب

المرحوم محمد حسين بهنس
 بقلم /عمر بنعمر
بالأمس البعيد، مات شاعر فرنسا العظيم " لا مارتين" وحيداً مفلساً بسبب سخائه و كرمه المفرط... لم يبق بجانبه
 سوى كلبه الوفي... بالأمس البعيد، مات كذلك فخر روسيا " تولستوي" في محطة قطار منسية... في محطة لم يعد القطار يتوقف فيها...
و بالأمس القريب، عندما كنا نطفئ شمعة عيد ميلاد الأدب العربي في منازلنا أمام المدفئة، و عندما كنا نتقاسم قطع الكعكة المحشوة بالشوكولاه الافتراضية و نتبادل التهاني الافتراضية، كان أحد أبناء الأدب العربي البررة يسلم الروح لخالقه تحت وطأة الجليد... فمات برداً...

"محمد حسين بهنس" لم يمت في صحراء منقطعة فنوكل أمره إلى قضاء الله و قدره، بل مات على رصيف الشارع العريض بين سمع الناس و بصرهم، في قلب قاهرة المعز التي لا تنام... و لابد أنه مر قبل موته من منازل بعض الأصدقاء ليطرق أبوابهم... لكن الأبواب الخشبية كلها كانت تجيبه " لا تكثر الدق يا هذا... لم يعد أحد هنا... الكل خرجوا باكراً هذا الصباح و لم ينسوا كعادتهم أن يغلقوا الأبواب خلفهم و النوافذ... أداروا القفل الثقيل مرتين ثم رموه في البحر الميت..."

آه... كم تنقصك من الروح أيتها البلاد المؤذية لتصيري بلاداً بلا منازع و بلا أقنعة، بلاداً كبقية البلدان، تحب ناسها وتكرم أحبتها من حين لآخر حتى لا تنساهم ولا ينسونها...

اشتهر "محمد حسين بهنس" بروايته " راحيل" التي تحكي لنا قصة شاب يشتغل في استديو للتصوير، فيغرم بفتاة فقيرة و جميلة تدعى"راحيل" تعرف عليها عندما قصدت الاستديو لتأخذ بعض الصور من أجل إنجاز جواز السفر قبل الالتحاق بعريس خليجي.

يصف لنا "بهنس" الفتاة و هي جالست أمام عدسة الكاميرة فيقول " كانت هاجرة حلوب، تحلب العرق... تحلب الذاكرة بمواقيت... كانت هنالك 42 قطيرة عرق تقريباً تجلس على عرش جبينها الوضي وأربعة قطيرات أصغر على أرنبة أنفها... و الذي أعجبني حقاً فى قطيرات العرق تلك هو أنها كانت تتلألأ عاكسة رونق النهار غير آبهة بزمجرة أجهزة التكييف التى تتوعدها بين الفينة والاخرى بالتبخير... حينما بهرني وجه "راحيل" ، لولهت آفاق الزمان بعد جدب، و اختلطت النار والريح والتراب والماء في مزاج ضاري... المريض رجع الى صحته، و السكران من سكره صحا، والمجنون ثاب إليه عقله، و النائم من نومه استيقظ، و الغافل من غفلته انتبه..."

كان دائم الحديث عن العرق و حرارة الشمس... فمات برداً...

فأين الغيورين على الأدب و الأدباء من هذا كله؟؟؟

وعلامَ يجتمعون في صالوناتهم الأدبية التافهة، التي هي أشبه بمواخير الدعارة الثقافية، حيث يَجْترُّون القصص البائسة التي لا نهاية لها، و يضاجعون الشعر الرديء الواحد تلو الآخر، و يمارسون اللواط الفكري بإيديولوجياتهم الكاتمة للصوت؟

لا تلوموا بعد اليوم هذا الجيل الناشئ إن هو لم يقرأ و لم يكتب، و انجرف وراء ألعاب الفيديو، و بايع البارصا أو الريال، و أنكر عليكم شعركم الجاهلي و اتهمكم بالتخلف، و ذابت ثقافته داخل سراويل الجينز الممزقة وأكياس الشيبس.

لا تتباكوا بعد اليوم على حال الثقافة و أنتم الذين خذلتموها و اثَّاقَلْتُم إلى الأرض، و رَضيتم أن تكونوا مع الخوالف. فالثقافة قِدِّيسَةٌ و وَلِيَّةٌ من أولياء الله، نُكْرِمُها و نَتَقَرَّبُ إليها بما تجود به أقلام المبدعين، و ليست حائط مبكى لا يضُّر و لا ينفع.

مات هذا الشاعر متجمداً من الحسرة، بعد أن انسحب من الدنيا مثلما يفعل الساموراي عادة عندما يخسر حروبه المقدسة، فاعتزل الناس في معبده المظلم، ثم غرز سيفه الحاد في بطنه من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين... فهيهات لنا نُبْلُ السَّاموراي و شجاعته و نحن أمواتٌ عند ربهم يرزقون.

رحمك الله أيها الأد
ب

 
Design by Free WordPress Themes | Bloggerized by Lasantha - Premium Blogger Themes | Best Buy Coupons تعريب : ق,ب,م