skip to main |
skip to sidebar
9:49 ص
المقهى الأدبي وجدة
كحديثنا
عن المجتمع الإسلامي والحل الإسلامي والسياسة الإسلامية والاجتماعي
الإسلامي... نتحدث عن الثقافة الإسلامية والأدب الإسلامي والشعر الإسلامي
وما تزخر به الثقافة من فنون وآداب، وعن أصلها في الدين أو موقف الدين منها
أو ما ينسجم ولا ينسجم مع الشريعة منها. لكن الباحثين على أوجه مختلفة في
الباب؛ فمن الغيور إلى المتطفل إلى الشاك إلى المشكك إلى الكائد بليل
ونهار.
وهنا وجب أن نقف عند بعض النقاط حتى تتضح الرؤية أكثر وينجلي شيء من الغبار .
ولنقف أولا مع المصطلح، فما هوالأدب الإسلامي؟
وقبل ذلك لنتوقف عند هذا الحديث النبوي الشريف الذي يقول فيه رسول الله
صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه أبوهريرة رضي الله عنه
وأخرجه الإمام مسلم:
"ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه
وينصرانه ويمجسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء؟
ثم يقول أبو هريرة رضي الله عنه: اقرؤوا إن شئتم: "فطرة الله التي فطر
الناس عليها لا تبديل لخلق الله الآية"" . الروم الآية 30.
الإنسان،
انطلاقا من هذا الحديث النبوي الشريف، مسلم بطبعه، وهنا عبّر النبي صلى
الله عليه وسلم عن الإسلام بالفطرة، أما كون الإنسان يصير يهوديا
اونصرانيا... فذلك إنما يكون بفعل خارجي وتأثير دخيل على النفس التي لو
تـُركت لفطرتها لعرفت الحق ولبلغت مصدرها ومبعث نفختها كما تـُجسد ذلك
رواية حي بن يقضان عند ابن طفيل التي يؤكد فيها صاحبها على عدم تعارض العقل
والدين وكيف يمكن للإنسان في معزل عن أخيه الإنسان أن يدرك الحقيقة، حقيقة
الخلق والإيجاد.
الأدب والفن واحد من هذه المخلوقات التي تبحث عن
ذاتها، بمعنى آخر: الأدب والفن ما كان على الفطرة وأمّا ما يشوبه من زيغ
وانحراف إنما هو التنصير والتهوييد والتمجيس.
قد يخندق للأسف بعض
الغيورين على الإسلام الأدبَ والفنونَ في ما يتعلق بالدين وتعاليمه وعقائده
وتشريعاته فتصبح وكأنك أمام كتاب فقهي أو مرجع علمي لطلبة الشريعة والفكر
الإسلامي وهذا وإن كان منطلقه الغيرة فهو أشد الظلم في حق ما يجب أن يكون
عليه الأدب الإسلامي حقا.
ماذا يضر الأدب الإسلامي أن يصف الشاعر منظرا
طبيعيا أو حركة وجودية أو علاقة إنسانية نبيلة... بل إن هذه الأهداف من
صميم الدين الإسلامي الذي يحث على توطيد العلاقة بين الموجودات لتكون
تِلـْكُمُ العلاقات الأفقية في خدمة العلاقة العمودية الأسمى. الإسلام من
مبادئه العامة ومن نفائس ما وصل إليه العقل المسلم السليم قاعدة الشاطبي
رحمه الله التي تجمل الأمر في جملتين كافيتين إذ تقول القاعدة:
الأصل في الأشياء الإباحة إلا ما حرمه الشرع، والأصل في العبادات الحظر إلا ما أمر به الشرع.
فكل ما يتفق وإنسانية الإنسان وفطرته السليمة شرع وإن لم يرد فيه نص، فلا
تنتظر مثلا أن يُفتى لك في فاكهة لم توجد على عهد النبوة أو طريقة ما في
اللباس بعيدة عن العباءة وغيرها... فأنت إن تصفحت مثلا سيرة رسول الله صلى
الله عليه وسلم من أولها إلى آخرها لم تجد ممن كان يكيد للإسلام والمسلمين
أحدا يعيب على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه طرائق لباسهم أو أكلهم
أو مشط أشعرهم أو حتى لحاهم... وذلك لسبب بسيط هو أن هذا الدين العظيم
إنما استلهم عظمته من روحه وأسراره لا من مظاهره وفروعه. وكذلكم إن جاز أن
نقيس الأمر بالأمر فإن الأدب الإسلامي نعتبره ما كان قبل الرسالة المحمدية
وبعدها وما كان تحت ظل شمسها أو خارجه ما دام ذلك في خدمة هذا الإنسان
ونبيل مقاصده. فقد نسمي فنا يونانيا إسلاميا وقد نسمي شعرا انجليزيا
إسلاميا إذا تناغم والفطرة البشرية، وبالمقابل قد ننزع صفة الإسلامية عن
شعر قد يسميه البعض صوفيا إذا تجاوز الحد وعبث بالمُسَلــَّماَت، ولنتذكر
هنا شهادة الرسول صلى الله عليه وسلم في عنترة بن شداد الذي عاش خارج
الخريطة الإسلامية بمفهومها المحدود فقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم
أنشد بيتاً من شعره:
ولقد أبيت على الطوى وأظله = حتى أنال به كريم المأكل
فقال صلى الله عليه وسلم:
"ما وُصف لي أعرابيٌّ قط فأحببت أن أراه إلا عنترة" .
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول فيما رواه عنه أبو هريرة رضي الله عنه أصدق كلمة قالها الشاعر كلمة لبيد:
"ألا كل شيء ما خلا الله باطل"
وقد قال لبيد بن ربيعة هذا الشطر من قصيدته قبل إسلامه فكان أصدق شعر من
زمن غير زمن الصدق المطلق زمن الصحبة مع أصدق الصادقين الأمين صلى الله
عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.
الأدب الإسلامي يكون بهذه الصورة أوسع
وأعم، أما إن اختزلناه فيما يرتبط بعقائد الدين وشرائعه فسنجد انفسنا حينها
نتحدث عن آداب وفنون تتصارع حول الإسلامية، فما تسميه أنت فنا إسلاميا قد
يعتبره ظلالا وفسقا من كان على غير مذهبك وأخطأته الحكمة في فصل الخطاب،
حينئذ وجب أن نتحدث عن الأدب الإسلامي السني وعن نظيره الشيعي وعن الأشعري
والمعتزلي والشافعي والحنبلي... لكنك إن أطلقت العنان للإبداع وتركت له
المجال للغوص في فطرته لن تقف إلا على نهاية يقضانية أيقظها الإيمان
المكنون في الصدور والعهد الأزلي بين المخلوق وخالقه تعالى قال سبحانه عز
وجل: وَإِذْ أَخَذ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ
وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى
شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا
غَافِلِينَ. أَوتَقُولُواْ إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ
وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ
الْمُبْطِلُونَ. وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ
الأعراف 7.
خلاصة القول أن الآداب والفنون أبناء شرعيون للفطرة التي
أراد بها الحديث النبوي دين الله الإسلام –إن الدين عند الله الإسلام–
وتبقى تصرفات وتحولات الإبداع من تختار لنفسها الجنسية والانتماء ويبقى
الكون بعرضه وطوله مادة الأديب والفنان يغوص فيه ببوصلة الفطرة المحددة
للوجهة والمسار.
إرسال بالبريد الإلكتروني
كتابة مدونة حول هذه المشاركة
المشاركة في Facebook