قراءة في ديوان
"مايهم النجم يهمني" لمحمد رويسي
الرؤيا الاجتماعية الإنسانية عند
الشاعر محمد رويسي
ذة:مريم لحلو
بسم الله الرحمن
الرحيم والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على نبي الرحمة الذي أوتي جوامع الكلم
استهلال لابد منه: الحمد لله ثم لهذا المقهى
؛عكاظ وجدة الأدبي الذي أبى أن يبقى الإبداع حبيس النفوس أوالرفوف. وشكرا لرواده
الأوائل الذين أسسوا هذا المنبر ،فصدح الشعراء، وحلل النقاد وحلق الروائيون
والقصاصون...وجالس المتمرس المبتدئ ولم يضق بتاء التأنيث أونون النسوة بل كرمها
وبوأها الصدارة،وتلك هي شيم
الكرماء.
نجتمع اليوم للاحتفال بشاعر وديوان
أما الشاعر السي محمد رويسي فهو غني عن التعريف ...أما الديوان فلنا معه وفيه
تأملات و وقفات.ما يهم النجم... يهمني...وما يهم محمد رويسي،بالتأكيد يهمنا نحن
أيضا.
تنبثق
قصائدُ الديوانِ كلِّها بل ربما الإنتاج الشعري كله للشاعر محمد الرويسي (لأني
اطلعت على ديوانين فقط ) من بؤرة مركزية تهيمن على مجموع
الخطاب، وتظل محافظة على هوية وجوده،والخيوط كلها تتجمع في العمق في المكان الذي يحاول الشاعر فيه الاختباء.و
تضمن للقصائد الوحدة في التنوع،والتنوع في الوحدة وتضمن كذلك للشاعر التميز لأن
بصمته تظل متجلية في كل أعماله رغم اختلافاتها على المستوى الموضوعاتي.ومثل هذه التجربة لا تنبثق إلا عن
رؤيا للعالم ذلك بأن " كل عمل أدبي أو فلسفي أوديني يشكل في كليته بنية
دالة معبرة عن رؤيا ما للعالم وهي تجل من تجليات الوعي الجمعي،كما أنها مجموعة مترابطة
من القضايا والحلول التي يتم التعبير عنها على المستوى الأدبي بواسطة
الألفاظ،وبواسطة كون محسوس من المخلوقات والأشياء."[1]
حسب رأي غولدمان في إلهه المتواري.وهذه الرؤيا عند شاعرنا ليست رؤية مأساوية
بالتأكيد لأن الرؤية المأساوية رؤية لا تاريخية ينقصها الوعي بالمستقبل، بل هي رؤيا
تتجه نحو المستقبل من خلال الواقع وتقوم على مبادئ إنسانية اجتماعية تتمثل في
الدعوة إلى الحرية والانعتاق.ذات أطياف رومنسية حالمة فيها من تفاؤل المناضلين
الشيءُ الكثير ذلك بأن محمد رويسي يؤمن بالإنسان ويستشرف آفاق المستقبل ،ويحاول
النفاذ إلى جوهر العلاقات الاجتماعية والنفس الانسانية.من هنا يصبح من العسير فصل
التجربة الإبداعية عن التجربة الحياتية والتاريخية للشاعر.ولكن ليس في نيتنا إصدار
أحكام عليه أو تصنيفه في خانات معينة باعتبار سلوكه أوانتمائه السياسي أو باعتبار
نشاطاته الثقافية مهما كانت أهميتها.بل سنحاول أن نخاطب النص مباشرة ووضعنا ثقتنا
فيما سيقوله، فالشعر هو الشاعر بل لعله الشاعر أكثر من نفسه.وعلى رأي جون بيير
ريشار في كتابه شعر وعمق:" يجب أن نضع ثقتنا في الشعر لأنه سيقول ما
لا تقوله السيرة بل سيكون أبلغَ منها في الإعراب في ذات الوقت عن مكامنه وجل أحوال
مبدعه إن لم تكن كلَّها." [2]
وهذا ما سيتيح لنا في نهاية المطاف الالتقاء من خلال الشعر بالشاعر والإصغاء إلى
انشغالاته الذاتية والجمالية على السواء.
إن شعر محمد رويسي يهجس اجتماعيا وانسانيا ، واعيا بمسؤولية الشاعر تجاه
قضايا وطنه الكبير والصغير فالتزم التزاما إراديا بها. فبمجرد اقترابنا من نصوص
الديوان نلحظ أن الشاعر قد أرقته انشغالات كبرى، ولعل الانشغال المركزي هو انشغال
انساني سياسي نابع من اختيار حر نحو قضية مشتركة، وهذا الاختيار يشكل تيارا رئيسا
في إنتاجه لامناسبة من المناسبات. فكل فن حقيقي هو سياسي،وإن تحويلَ أيِّ شيء لا
سياسيا سياسي في حد ذاته"[3]
على حد رأي توني موريسون الكاتبة الأفرو-أمريكية الحائزة على جائزة نوبل للآداب
سنة 1993 .
وشاعرنا نفسه يحدد في قصيدتين
واحدة من ديوانه أنا من شيأ الأشياء والأخرى من ديوانه الذي بين أيدينا وظيفة
أورسالة الشعر والشاعر .
فالشعرعنده تعبير عن معاناة حقيقية،وعما تعيشه
الإنسانية المعذبة.فالقصيدة تجربة إنسانية مواكبة للأزمات والأحداث السياسية
والمشاكل الاجتماعية،بل على الشاعر الحق،في نظر الرويسي أن يكف عن اجترار نظم
عقيم، ميت يغرق في عشق الذات، أويتمرغ في أوحال المدح المجاني، غاضا الطرف عن
القضايا الحساسة والمآسي الاجتماعية.فمن أهم أدوار الشعر المساهمة في بناء ثقافة
اجتماعية ،هذا ما تبوح به قصيدة " لا
تقل للناس أنك شاعر" من ديوان" أنا من شيَّأ الأشياء" [4]
أن تمضغ النظم علكا
بين ماضغيك
مزهوا بصمت المقابر
أن تكتب القصائد في عشق الأنا
بالقناطر
أن تغرق في مسخ الكلام
ومدح الإمام على المنابر
أن تدير الظهر لكسرة الخبز
وتمضي في شحطات الغمز
تبصق الغموض على الدفاتر
أن تفسق بالكلام
تفض بكارته
تغتال فيه نضارته
تحيله هيكل طائر
أن تخون دمعة طفل
وتسرِق صرخة أم
وتعبث بالمصائر
فذاك مقامك
وذاك قدك
لكن
لا تقل للناس أنك شاعر
ويتردد صدى هذا النص في قصيدة
"يا ابنة الديوان" مؤكدا على وظيفة الشعر النضالية. فالقصيدة يجب أن
تكون مرتبطة بالوعي الجمعي للأمة ماضيها وحاضرها،وتتطلع نحو مستقبل محدد واضح
المعالم تتغيا الذاتُ الجمعيةُ تحقيقَه،يقول:[5]
ناوليني الجمر أسكنه يراعي
والريحَ أنبتها شراعي وحمامَ سلام
يصدح بالهديل.../خضبي كف خيالي
/بدم الرفض واروي شتائلي بالسلسبيل
يمتطي الشاعر لهجة خطابية عبر عنها
الفعل الأمر مع ضمير المخاطبة أنتِ،فنجده في هذا النص وإن استعمل رمزا شائعا هو
حمام السلام فقد استعمل رموزا أخرى مشتركة مع شعراء الطليعة كرمز الريح الذي يشكل
إيحاءات واسعة غنية بالصور،فالريح هي قوة انتفاض وتغيير.ورمز الجمر والدم والشتائل
التي تحيل على مرحلة حرجة من تاريخ المغرب الحديث... فالقصيدة الحقة عنده يجب أن
تحترق بهموم الناس وترفض الواقع المخزي وتقتنص الجميل.هذه هي رسالة الشاعر، الذي
يموت واقفا ومتاع الدنيا لايدخل في اعتباراته .يقول من قصيدة "هذي إليك
وصيتي" [6]:
سيدتي
انقشي إذا مت على شاهدي
غديرا من فيض دمي
ومن عروبته مرري الساقية
سجلي
أني أبدا ما صعرت خدي
وأن جبالي الشماءَ
أبدا كانت عاليه
لم أصطحب من دنياي قطميرا
ولانعلا ولاطاقية
رسالتي ورتها دروب شعبي
هاهي ذي على جبينك باديه
فالشاعر يجب أن يعمل بجد لكي يسترد دوره
الحقيقي والمتمثل في التعبير عن مطامح الجماعة، ويكون ضميرها الحي الذي لا يخشى
الجهر بالحقيقة،متخليا عن دور المجامل والشاعر الرسمي متمسكا بحريته ولو أدى به
ذلك إلى مواجهة المحن.
ويلتقي شاعرنا مع شعراء الطليعة
وعلى رأسهم أحمد المجاطي الذي يرى بأن العواطف الشخصية يجب أن تكون وليدة العواطف
الجماعية ،وبأن الشعر بعيد عن أن يكون محايدا عن المرحلة أومرآة جامدة للواقع تعكس
دون شعور مايقابلها ،وإنما هو وسيلة لإيقاظ الوعي وبعث الضمير الجماعي، ويشكل شرطا
من الشروط الأساسية التي لامندوحة عنها لتحقيق التجاوز المبتغى" [7] وذلك ما نلحظه في الإنتاج الشعري لشاعرنا وقصائد
الديوان بخاصة إذ يتمازج فيها الذاتي بالموضوعي فحتى وهو يعبر عن أسمى مشاعر الأبوة
تجاه ابنته إلهام نجده لايهنأ بهذه المحبة فيصور نفسه كالعيد يفرح يوما ويحزن طول
العام بسبب ما يقع لحضارة الرافدين من تدمير وبسبب الذل الذي تعيشه العروبة.[8]
إلهام يا ملهمتي
كيوم العيد أا
أفرح يوما
وأحزن طول عام
ماتبقى من حضارة الرافدين
طلول
منها على عروبتنا
ألف سلام
يتوهج الزمن الاجتماعي التاريخي عند الرويسي وينعقد حوار جدلي بين الشعر والتاريخ،أوليس الأدب عامة يُعنى بما
يغفله المؤرخون الرسميون؟؟ ذلك بأن القارئ يحتاج من أجل الدخول إلى عالمه الشعري
أن يتوقف متأملا في الحراكات السياسية المغربية والعربية التي عرفتها العشرية
الأولى والثانية من القرن الحالي فهو يواكب الثورات العربية بدء من الثورة
التونسية التي أرخت لها قصيدة "وهبت ريح"[9]:
البوعزيزي/العطر الزكي/الحر
الأبي/للشعب قال:/ها طريقك يا مليح/فر الجبان يبحث عن مكان/هنا تلاوموا/هناك
تبرموا وساوموا/لابوذا آواه/لاكونفوشيوس/ولاالمسيح/مقبرة الطغاة وحدها أشرعت
أبوابها/فبكى البيت/واشتكى الضريح...
والثورة المصرية التي وثقتها قصيدة
"اسق الشرارة بالدم"[10]
لاتتركي من قريظة جيفة
تعلمي من درس تونس واهتدي
تذكري كيف الدسيسة أطلقت
رهط العصابة في المدينة يعتدي
يامصر هل لي من سند
إن لم تكوني سندي
يا مصر شدي بالنواجذ اليوم موعدك
وغدا موعدي
ولم يغفل الثورة السورية فلنستمع
لقصيدة "أسيود من ورق"[11]
مستحضرا رموزا عربية تراثية كالمعري وابن الوردي وأبي تمام والبحتري وأبي ريشة
ونزار...
ابنُ الوردي
في يتيمة عصماء ينادي:
" ياأسيودا من ورق
ياطعنة سفهٍ
وجلطة من جفاء
اختلطت فيك الأمور
لاجولانا
ولادَيدَبانا
ولا ماء وجهٍ تضوَّع بالنقاء"
ثم يعوج على الثورة الليبية في
قصيدة "طلعتَ عليهم ظلاما"[12]
أزرى بهم على التيه
أربعين عاما
تقاذفتهم نزواته وبالا
فصاروا نياما أسلمهم للتيه فتاهوا
دخلوا المجاهل ما انتبهوا
لمآدبه صاروا طعاما
...
من رمادهم لما نهضوا
حطموا صنم الشمع الذي عبدوا
عبَّدوا الحلم الذي شيدوا
مشوا إلى غاياتهم قدما
ويظل هذا الشعر شاهدا على العصر
بكل رداءاته يدين مشاهد العنف والجبروت،مخاطبا الجبارين محاولا إيقاظ ضمائرهم
النائمة،مصورا بشاعاتهم على الضعفاء؛ يقول في قصيدة هل ذاك يرضيك؟[13]
قلم أظافر الوحش فيكَ
أمايكفيك مافعلت بالضريرِ
هل ذاك يرضيك؟...
أيها الكفيف الصامد
لا نزالَ يضنيكَ
نضالك يزكيك
فينيق أنت
إن أحرقوا عظامك
رمادك يحييك
فتتبعه للبطولات الجماعية لم يمنعه من الإنصات
إلى نبض الشارع المغربي وهموم المواطن العادي فتراه يحيي البطولات الشعبية حتى وإن
جاءت فردية تدين الواقع المزري.يحيي فدوى العروي الفتاة المغربية
التي قامت بإحراق نفسها احتجاجا على الفقر والتهميش [14]
وتكسيرا لحاجز الصمت والخوف:[15]
أف ف أف ف
طار هذا الخوف
مزق جسدي على هواك
حطم بانتصاري غباك
حضر من كتفي عراكْ
أف ف أف ف
مات غول الخوف
وطاب الفداء
نعم طاب الفداء
فدوى يا طائرا عشق الضياء
فينيقا من رواء
أعاد العظم للحاء
...
لما الجسم من فدوى اشتعل
تجدد الأمل
ماتبقى في الجبة من خوف رحل
زال ما ترسب من عياءْ
وتبقى قصيدة "لم تعد لي
بالرفيق" إدانة لأولك الذين انبطحوا، وباعوا سنوات النضال رخيصة فتلمس تلك
المرارة في قول الشاعر: [16]
عفوا
ياداخلا دار لقمان
لم تعد لي بالرفيق
لما ثملت من صهبائهم
صحوتُ منك
فلا أنت أخ
ولا أنت الصديق
وبدافع من هذه اللحظات التاريخية
المتوهجة يمتطي الشاعر خيول الرفض ويصرخ في وجه كل المستكينين:
سكن الصفر فراغه حتى اغترب
شتت العمر بين كأس وطرب
مااحتج يوما على غاصب
ولاأفلت من مقلب
ولاشجبْ
لايقول لا
ولاكلا
ولالولا
ولاكيلا
أبدا أبدا يبصبص بالذنب
وفي المقابل يرسم لنا الشخصية
الثورية المثالية مستدعيا اسم العلم زكريا من الحمولة الدينية من قصيدة أنا يحيى
يا زكريا:
كان يمشي على خافقيه[17]
يقدح الرفض ويطوي المستحيل
كان يمشي
يسابق الخطو للهدف النبيل
وإن كنا نلمح درجة عالية من التفاؤل
في هذا الديوان على عادة المناضلين وحلمهم ببناء مجتمع مثالي ، فإن هناك فلتات تشي
بتأرجح الشاعر بين الأمل واليأس فيسقط في الأسئلة التي لاتنتظر الإجابات:
من أين يأتي النهار؟
كيف أختلي بالصبح
ألبسه ثوب المنون
وأنتم
يامن كأن الطير على الرؤوس
واجمون
أما ترفعون الهامات
أما تستيقظون[18]
هذه بعض النماذج الحية للرؤيا
الإنسانية الاجتماعية عند الشاعر محمد رويسي التي مثلت أحلام فئة من المستضعفين
وتطلعات مجتمع نحو حياة أفضل وعبرت عن طموح الشاعر /المبدع وسعيه لرسم هذا الطموح
وتجسيده من خلال الحس النضالي العالي وهذا لايعني بالتاكيد أدلجة الإبداع وتحوله
إلى وسيلة دعائية إيديولوجية صرفة.بل جاءت قصائد الديوان ثورة تعبر عن رؤيا الشاعر
للكون فالمرحلة ترفض الشاعر/المثقف المحايد. وعلى حد تعبير الأستاذ نجيب
العوفي:"جعل الكلمة الشعرية تارة نورا يكشف مناطق التشوه في الحياة،وتارة أخرى
نارا تذكي وتفجر إمكانيات الثورة في الحياة." [19]
و تظل قراءة مستعجلة كهذه قاصرة
على الإحاطة بالمدارات الشعرية التي حلق فيها الشاعر وعلى الثراء الذي يحفل به
الديوان. فماهذا إلا غيض من فيض وكما يقول جون بيير ريشار " لا تمثل كل
قراءة أبدا سوى مسيرة ممكنة،وتظل هناك سبل أخرى مفتوحة." ،وماهذا إلا جهد
المقصر نثرته بين أيديكم،وشكرا على رحابة الصدر، وحسن الإنصات.
[14] أقدمت على إحراق
نفسها احتجاجا
على رئيس بلدية سوق السبت بإقليم الفقيه بنصالح. ، وهي تصرخ: «سرقو ليا براكتي.. سرقو
ليا براكتي» أمام مرأى الناس يوم الاثنين 21/02/2011