لعنة
الأسماء
قصة قصيرة
د.فـؤاد
عفاني
لم يكن
يدرك أن للأسماء ذاكرة تتخطى العقدين إلا عندما رنا إليها وأرهف السمع إلى صدى
أنفاسهــا... الشبه لم يكن بينهما كبيرا. الأولى كانت بشعر فاحم السواد هيفاء القد،
قد يُجاوز اليوم الخامسة والأربعين ربيعا عمرُها، أما هذه التي بدل عطرها رائحة
الفراغ نسائم شعرية، فلم يمض على طيها أشرعة الطفولة البيضاء إلا أحلاما قليلة.
المكان هو نفسه؛ مكتبة ألف أن يزورها بشكل
متكرر ليرضي حاسة شمه التي تقتات من غبار الكتب، أما الزمان فذاكرة جريحة تنوء
السنوات بحصر آلامها.
امتدت اليدان إلى النسخة الوحيدة الباقية
لرواية أحلام عابر سرير؛ هي كانت تبحث عنها قصدا، أما هو فقد كان يريد شراء نسخة
ليحتفظ بها بعدما فقد نسخته الأولى التي نسي لمن أعارها.
-
يمكنكِ أخذها إن شئت فأنا قد قرأتها سابقا ولا أريدها إلا ذكرى أتدثر بها في ليالي غربتي.
-
شكرا سيدي.. فأحلام أحلامي أنا، عزائي الذي أرتشفه حين
ينأى القريب... إنها تكتبني...
-
ابتسم ابتسامة لم تتحرك لها سوى عينيه، ثم أردف: إذن أنت أحق بها مني، أما أنا فقد اكتفيت
بالماضي ذكرى وارتديت الصمت مناعة تقيني لهفة الأشجان..
انشغلت هي بتصفح بعض مقاطع
الرواية، وانشغل هو بالبحث عن اسمين يمكنها استيعاب حالتين أنثويتين تباعدهما سنين
العمر الذي يشهد عداده المتسارع على أنفاس حب ضائع.
-
تُرى لم عدتِ حلما تقضّين سرّا ثوى في جوانحي دهرا.. لم
عُدت ظلا بعدما كنت قد أقسمت على أن أطلق جميع النساء..لم عدت كلوحة الصبي الباكي
التي أضحت لعنة أسراها... ألم يكفك أنك حطمت بخيولك جميع قلاعي يوما لتعود ذاكرة
نسيانك كي تتفقد الانتصارات الموشاة بالهزائم...
ذوت أحلامه
و استعاد ذاكرته الموشومة فجأة ليتأمل الملاك الواقف أمامه، رفع عينيه، نظر إليها
فرأى عينين غرق في يمهما يوما... رأى جسدا مازال يتذكر تفاصيله وأنغام اهتزازاته..
رأى عمرا هاربا..
-
هل تعذرين فضولي آنستي وتخبريني باسمك، فللأسماء عطر
وذكرى..
افترت كاشفة عن أسنان تشعان نورا وواشية بأسرار قلب
بريء وقالت:ندى.
-
تشرفت بمعرفتك آنستي، قالها دون أن يمهلها من الزمن لحظةً
تفتح للكلام فسحة أمل ثم أدار ظهره منصرفا هاربا خائفا من لعنة الأسماء...