الثلاثاء، 7 مايو 2013

قراءة في مجموعة "الرّقم المعلوم" القصصية


قراءة في مجموعة "الرّقم المعلوم" القصصية
 لمحمد مباركي
 
بقلم الناقد رشيد سوسان


تقع مجموعة "الرّقم المعلوم"، للكاتب المبدع محمد مباركي في 146 صفحة من القطع المتوسط، وتضم 30 قصة قصيرة تختلف من حيث الطول ونوع التيمة وتحتل مواقع لاتحترم التتابع الكرونولوجي لميلادها، ولكن أغلبها كتب ما بين شهر أبريل 2009 وشهر ديسمبر 2009 ما عدا واحدة كتبت في شهر يونيو 2010.

صدرت المجموعة عن منشورات ديهيا بأبركان، وارتأى صاحبها أن يتصرف في عنوان إحدى القصص وينتخبه عنوانا للمجموعة، ربما لكون هذا العنوان يتسع للتعبير على هواجس وانشغالات الكاتب. أما الغلاف فزُيِّن بلوحة تنطوي على أربع مكونات :1- نصف صورة لوجه الكاتب (هل يدل النصف الغائب من الوجه على نفسية ذات طبيعة يغلب عليها الخجل؟) خصوصا وأن العنوان يشير إلى مكان معروف لدى شباب وجدة خلال الستينيات من القرن الماضي والكاتب يعرف ذلك جيدا. 2- أما العناصر الأخرى فهي عبارة عن أطياف لأجساد بشرية بأربعة ألوان الأزرق القاتم والأصفر والأحمر والعسلي، وُضعت على أرضية من ثلاثة ألوان الأزرق والأخضر والأبيض. هذه اللوحة تصرَّف الكاتب أو الناشر قليلا في عناصرها ليضعها في الوجه الآخر من الغلاف.( شخصيا لا أثق إلا نادرا في لوحة الغلاف باعتبارها عتبة دالة، إلا إذا صرح الكاتب باختياره لها.)

تيمات المجموعة متنوعة غير أن أسلوب معالجتها ينقسم إلى طرق ثلاث:

1- يتوحد في بعضها الكاتب والسارد مع صاحب الحكاية (الشخصية المحكي عنها) متلبسا بضمير المتكلم، فتوهم القصة بنوع من البوح والاعتراف؛ كما هو شأن: "شبه"، "في يوم رمضان"، "كلمات"، "عدْوتان".

2- أما في بعضها فيحكي السارد عن الغير ويأخذ حريته للتعبير عما يتعلق بالشخص صاحب الحكاية من الناحية النفسية والسلوكية؛ كما في: "المجذوب"، "فيلم"، "حيوانات بوكماخ وشيخ البركة"، "مخبر"، "السيد (س)"، "لقاء"، "وجه أسود قلب أبيض"، "انتقال تأديبي"، "الممكن"، "عودة إلى وجدة"، "زفاف كلب"، "هربت"، "زنقة الرّقم المعلوم"، "رحم الله دايدي"، "الكاتب وصاحب العربة"، "إلى أهلي"، "ولدعيشة"، "أعزائي الأموات"، "الصبي و الكتاب"، " أطول رسالة" ، "تحية تحت المطر"، "حمادي".

3- أما النوع الثالث فيمزج فيه الكاتب بين الطريقتين، فيحضر السارد عبر ضمير المتكلم ويحضر الآخر عبر ضمير الغائب كما في: "المدينة الصغيرة" ، "صاحب الجسد المكور"، "صاحبة الوجه القمحي".

يبرهن الأستاذ محمد مباركي في هذه المجموعة كما في روايته "جدار" على أنه كاتب واسع الخيال وذو طاقة إبداعية نادرة؛ له قدرة مذهلة على التقاط مواضيع قصصه من الواقع الذي يُمِده بنماذج يجد فيها الكاتب مواضيع للحكي قلما ينضب معينها فتتحول بفضل يراعه إلى عوالم شيقة تنم عن قدرة

في الإبداع لا تتوفر إلا لدى كبار الكتاب؛ فإن لم يجد في الواقع ما يغري بالكتابة، وذلك ما لا يحدث إلا نادرا، التفت إلى القضايا الإنسانية والحقوقية التي تشغل بال المثقفين والمناضلين الملتزمين، الشيء الذي يفسر غزارة إنتاجه؛ فما بين شهر أبريل 2009 وشهر ديسمبر 2009 كتب 29 قصة أي بمعدل ما يقرب من أربع قصص في الشهر الواحد مما يدفع المتتبع إلى أن يستنتج مطمئنا أن الكاتب يجد راحته في الكتابة.

وذلك ما يجعل القارئ يلمس انسيابية وغنى في ما يكتب الأستاذ محمد مباركي، بلغة سليمة تتجلل بجمالية أخاذة تغري بالقراءة وإعادة القراءة.

 
Design by Free WordPress Themes | Bloggerized by Lasantha - Premium Blogger Themes | Best Buy Coupons تعريب : ق,ب,م