سعيد هادف
شاعر يستمد قوته من الفكر
شاعر يستمد قوته من الفكر
***
الإنسان والشاعر
شهادة في حق شاعر صديق بقلم محمد العرجوني
***
شاعر حتى النخاع، منذ أن أصبح مسكونا بعبقر الشعر، وهو بمسقط رأسه، بتامزوغا، بلدة عند سفح جبل "ملاتة" بولاية عين تموشنت، جنوب وهران..
هو الآن، منذ 1998، بوجدة..دائم البحث عن قصيدة تمجد الإنسان في بعده الكوني. تمجد السلم والحب بين الشعوب، تمجد التسامح، تمجد الحرية..
هو الآن بوجدة، يبني حياته من جديد كما تنكتب القصيدة التي تأتي بالجديد..يكتب الشعر تماما كما يبني حياته من جديد..يكتب حياته رفقة عائلته الصغيرة..ويبني شعره من خلال تجاربه العميقة..يكتب القصيدة من داخل الألم، لكن أيضا، وخاصة من داخل الأمل والبهجة.. حرصا على أن تكون القصيدة صرخة نابعة من العمق الإنساني، لكن مبنية على منطق يتسلل إلى القارئ بكل سهولة..هو ليس غريبا عن المغرب، سبق له أن زاره في مناسبات شعرية، في 1989، حيث زار فاس والرباط..
الشعر تجربة.. حسب اعتقاده، واستنادا إلى أرسطو، الذي يرى الشعر تمثلا للواقع، إنه نوع من الديالكتيك بين الشخص والطبيعة،..، إنه أيضا تمثل تخييلي لكنه خيال فاعل وليس جامدا، تَمثُّلٌ جمالي ورمزي واستعاري، هدفه الأساسي تخصيب هذه العلاقة المتحركة بين الشخص والوجود.
ويصبح هكذا الشعر بالنسبة لسعيد هادف، هوسا بالبحث عن الحرية في مفهومها الشامل.. بل الشاعر منذور ليخلق حريته الداخلية العميقة. وبما أن اللسان هو مادة الشاعر الأولى، مادته الخام، عليه، إذاً، أن يتحرر من عقاله بصفته معطى سابق، بهدف خلق لغته الخاصة..مادام التحرر من الواقع هو تحرر من عقال اللسان بصفته صاحب خطاب سابق. وهكذا يصبح النص الشعري زمنا مفترضا. يبدو أيضا، حسب الشاعر أن الشعر والحرية، توأمان ملتصقان، حياة الواحد منهما خاضعة لحياة الآخر..
سعيد هادف..شاعر جعل من شعره مادة بناء الوحدة المغاربية، خاصة وأن المغرب والجزائر يعتبران حجر الزاوية لهذا البناء، انطلاقا من خصائصهما الثقافية..في هذا السياق، يلتحق، كما يقول بالشاعر منصف الوهايبي، في ديوانه: مخطوط طومبوكتو، وبالشاعر المغربي: إدريس الملياني، في ديوانه: حدادا علي، لأن ديوانيهما يتمثلان التاريخ المغاربي شعريا. ويلتقي بهما، حيث يشتغل هو أيضا في هذا الاتجاه كما توضح ذلك نصوصه: زغبة يفقأ مرآة خطاه، والهزيع الأخير، وجدار بغلين.. وبما أن الشاعر بطبعه يومئ إلى المستقبل، كما يقول هايدغر، فعلى الشاعر المغاربي أن يشتغل على جمالية النص القادر على إصلاح وترميم تاريخ وجغرافيا هذه الشعوب المغاربية، من منطلق أن المستقبل يولد تمثلنا المعرفي والجمالي للماضي.
أما فيما يتعلق بنظرته للشعر في علاقته ببلاده الأم، فإن الشاعر يرجع أزمة الجزائر إلى غياب العمق الشعري لتاريخها، لهذا يرى أن الجزائر الشعرية لا زالت لم تر الوجود. ويضيف أن الجزائري محارب بطبعه، وهنا تكمن الإشكالية، حيث يتساءل كيف يمكن إحياء الشاعر بداخل هذا المحارب. يعطي مثالا على ذلك بالإشارة إلى الأمير عبد القادر المتصوف والشاعر، غير أن الجزائر لا تعرفه إلا بصفته محاربا..
وهو يسعى في بحثه الدؤوب إلى رصد الآليات التي أدت إلى انتصار المحارب على الشاعر.؟؟
اختار ،إذًا، الشاعر سعيد هادف الكلمة من أجل جمالها وقوتها ليعانق الإنسانية وليسبر جغرافيتها الشعرية.. كتابته تنطلق من الفكر وليس من الفكرة أو من الكلمة كما هو حال بعض الشعراء، وهكذا يكون فيما أعتقد دخل مدار الشاعر الحكيم، الشاعر الفيلسوف، لأن الشعر في جوهره، فلسفة. فالقصيدة لديه فكر وليست هذيانا..وحينما ينطلق الإبداع من الفكر، فالشاعر، هنا، يكون أكثر قربا من الحكمة. وحينما يتمكن الشاعر من الجلوس إلى جانب الحكماء، فإن الشعر بالنسبة إليه يصبح خطابه اليومي، لأنه وحده يستطيع أن يفشي أسراره..فعلى المتلقي أن يسبر هو أيضا أغوار الفكر، لكي يتم التواصل. فقصائد هادف تمنطق الشعر، وتشعرن المنطق. هناك حضور للتاريخ ولعمقه الفلسفي..هناك حضور للجغرافيا، وبكل تأكيد تستمد القصيدة لديه روحها مما يمكن أن نطلق عليه، في اتفاق تام معه، "الجيوشعرية" أو "الجيوبويتيك"..
إنه صديقي منذ مدة..يمكن أن أستعير صورة علمية، أو بالأحرى فيزيائية كي أعبر على هذه الصداقة التي جمعتنا في العمل الجمعوي والإبداعي والفكري، نحن كالإلكترونات نلتقي ونتقاطع ونتباعد، لنلتقي ونتقاطع ..ندور حول جوهر الحياة..
فمرحبا به كشاعر بالمقهى الأدبي..بوجدة..
صديقك: محمد العرجوني
• شهادة ألقيت بالمقهى الأدبي "لاميرابيل" يوم السبت 02 فبراير 2013