الشاعر في المقهى
بقلم الشاغر رشيد سوسان
إلى أستاذي الشاعر: د.
محمد علي الرباوي.
مِنْ خَلْفِ الصَّمْتِ أُطِلُّ عَلَيْهِ أَراهُ هُناكَ عَلى كُرْسِيٍّ
مَرْصُوعٍ بِالنَّغَمَـاتْ.
أَتَخَيَّلُ أَلْفَ حِـوَارْ...
أَتَصَوَّرُ أَلْفَ قَـرَارْ...
(هَلْ تَتَكَلَّمُ) بِالْفَحْوَى لُغَتِي، أَمْ إِنّ الْقَلْبَ يَحَـارْ؟
مَلْعُونٌ هَذا الرُّكْنُ الْواقِفُ مِنْ قُدّامِي، هَذِي السَّارِيَةُ
الْخَرَسـانِيَّةُ تُخْرِسُ قَسْراً نَظَـراتِي تَغْـزُو كُلَّ جَداوِلِ رُوحِي
... وَتَهُدُّ كِيَـانِي، تَشْـمَخُ فِي وَجْـهِي كَالتِّـنِّـيـنْ...
وَلِكَيْ لا أَلْفِتَ أَنْظارَ الزُّبَناءِ وَأَقْلامَ الأُدَبَاءِ،
أُغَيِّرُ مِنْ وَضْعِ الْكُرْسِيِّ وَفِي عَزْمٍ آتِي عِلَلاً وَزِحَافَـاتْ...
مِنْ صَهْوَةِ هَذا الْخَبَبِ السَّاحِرِ أُبْحِرُ فِي النَّظَرَاتْ...
وَأَنا فِي الرُّكْنِ الْمُظْلِمِ بِالْمَقْهَى أَسْتَرِقُ النَّظَرَاتْ...
ثُمَّ أَرَى (الْقَمَرَ الْأَسْرِيرِيَّ) الْمُزْهِرَ فِي الرُّكْنِ
الشَّرْقِيِّ مِنَ الْمَقْهَى...
وَبَدَتْ لِي فِي الْأُفُقِ الْأَخْضَرِ بَعْضُ سَنَادِبِهِ
الزَّرْقَـاءْ...
رَابِضَةً بَيْنَ (الرُّمّانِ الْحَجَرِيِّ) وَبَيْنَ (الْأَعْشابِ
الْبَرِّيَّهْ).
(كَهْفٌ) هَذا أَمْ مَقْهَى؟ أَمْ فَيْضُ حَدَائِقَ مِنْ نُـورْ.
كَهْفٌ هَذا أَمْ مَقْهى؟ أَمْ دِفْءُ التَّكْرِيمِ (بَرِيدُهُ قَدْ وَصَلَ
الْآنْ).
وَجَناحَـاهُ سَبائِكُ مِنْ ذَهَبٍ حَرَّى، تَرْسُمُ أَطْبَـاقَ (الْحُلُمِ
الْأَبْيَضِ)، تُعْلِنُ
مِيلاَدَ تَباشِـيرِ (الْغَيْـثِ) الْمُشْتَعِلِ الْيَوْمَ عَلى أَرْصِفَةِ
الظَّمْآى، رَاسِمَـةً مَمْلَكَـةَ (الْبَيْـعَـهْ)...
وَالْأَحْرُفُ فِيهَا اشْتَعَلَتْ مِنْ نُـورْ.
أَوْ وَاصِفَةً مَلْحَمَـةَ (الْوَلَـدِ الْمُـرِّ) الْـواقِفِ كَالطَّـوْدِ
يُرَصِّعُ أَشْجـارَ (الْأَحْـجـارِ الْفَـوَّارَهْ).
يَصْنَعُ مِنْها (أَطْباقَ جَهَنَّمْ)...
وَيَشُقُّ بِها أَطْوارَ (مُكابَدَةٍ) تَتْرَى، وَبِها يَكْتُبُ جَهْراً
زَفَرَاتِهِ يُرْسِلُها فِي شَكْلِ هَدايا (لِعَصافِيرِ الصُّبْحِ)
الْمُنْتَظِرَهْ...
يَا فَرْحَتَها هَذِي الْأَطْيَـارْ.
هَا هِيَ ذِي تَنْتَقِلُ الْآنَ وَتَشْدُو فِي فَرَحٍ فَوْقَ الْأَشْجارِ
وَبَيْنَ الْأَشْعَـارْ.
أَوْ تَرْوِي أَحْلاماً فَوْقَ رُبَى الْأَلْحـانِ وَبَيْنَ
"بَسـاتِيـنِ الْوِجْــدَانْ".
* *
* * *
* *
مَوْزُونٌ أَنْتَ جُلُوسُكَ فِي الْمَقْهَى مَوْزُونْ.
مَوْزُونٌ أَنْتَ (مَـواوِيـلُكَ) قَدْ وَرَدَتْ مَاءً يَا
"صـاحِبَنَا الْمَوْزُونْ".
مَوْزُونٌ أَنْتَ وَسِحْرُ بَيانِكَ أَجْنِحَةٌ تَهْدِي قَلْبَ الْـواجِدِ
وَالْحَيْـرَانْ.
مَوْزونٌ أَنْت وَأشْعـارُكَ قَدْ بَسَقَتْ مِنْها أَغْصانٌ مُورِقَةٌ
بِالنَّجْوَى، مُثْقَلَةٌ بِالْأَثْمَارِ، مُوَشَّحَةٌ بِالْأَزْهارِ، مُعَطَّرَةٌ
بِالرَّيْحانِ، مُكَلَّلَةٌ بِنَدَى الْإِيـمَـانْ...
هَا أَفْئِدَةُ الظَّمْآى تَهْوَى سِحْرَكَ، تَهْوَى عِطْرَ حَـدائِقِكَ
الْمَوْزُونَةِ، تَسْعَى حَائِرَةً مِنْ فَرْطِ الْعِشْقِ الْمَوْصُـولِ، وَمِنْ
خَيْـطِ الْوَجْدِ الْمَـمْـدُودِ إِلَى النُّـورِ الْأَخْضَـرِ يَـا
"صـاحِبَـنَا الْمَـوْزُونْ".
مَوْزُونٌ أَنْتَ وَمَجْنُونٌ يَا "صـاحِبَنا الْمَـوْزُونْ".
وَ(مَواوِيـلُـكَ) أَلْحـانُكَ آهَـاتُكَ أَشْعَـارُكَ قَدْ رَقَّتْ كُلُّ
حَوَاشِيـهَا...
وَتَجَلَّـتْ فِيـهـا مَمْلَكَـةُ الْإِنْـسَــانْ.
رشيد سوسان
ملاحظـة: ما كُتب بين قَوْسيْن إِشارة إلى دواوين
الشاعر مُحمد علي الرّبّاوي. وهي كالآتي:
"الْكهْفُ والظِّلّ" – "هلْ تَتكَلَّمُ لُغةُ فلسْطين"
– "الْبرِيدُ يَصِلُ غداً" – الطَّائِرانِ والْحُلمُ الأبْيَض" –
"أَطْباقُ جَهَنّم" – "الرُّمّانَةُ الْحَجَرِيَّة" –
"عَصافِير الصَّباح"( للأطفال) – "الْأَعْشابُ الْبَرِّيّة" –
"الْبيعَةُ الْمُشْتَعِلَة" – "الْوَلَدُ الْمُرّ" –
"الْأَحْجارُ الْفَوَّارَة" – "أوَّلُ الغَيْث" –
"مَوَاوِيل الرّبّاوِي" – "مُكَابَداتُ السِّنْدِباد
الْمَغْرِبِيّ" – "قمَرُ أَسْرِير" .