قراءة تأملية في المجموعة القصصية:
ماروكان للكاتب محمد العتروس
بقلم/ : ثريا أحناش
ألقيت في حفل توقيع مجموعة ماروكان للكاتب محمد العتروس بالمعرض الجهوي للكتاب بوجدة.
تعرية الواقع في مجموعة ماروكان
يطل علينا الكاتب الشاب محمد العتروس هذه
المرة بمجموعته القصصية ماروكان عن منشورات ديهيا في طبعة أنيقة عن مطبعة الجسور وجدة 2012 من الحجم المتوسط تتكون من 54 صفحة تتوسط الغلاف لوحة فنية جميلة للفنان التشكيلي الذي ينحدر من نفس المنطقة عبد الحفيظ المديوني وصورة الكاتب تمثل نصف وجهه فقط بلونين أبيض وأسود .
فقد ابتدأ الكاتب مشروعه القصصي منذ منتصف التسعينيات أي منذ صدور كتابه الأول هذا القادم سنة 1994
وما يفتأ دائما على إغناء تجربته القصصية طالعا علينا كل مرة بالطارف والجديد، وهو في هذا الصدد من أنشط أدباء المنطقة الشرقية وخاصة مدينته بركان وأغزرهم عطاء وحضورا إلى جانب زميليه في الكتابة مصطفى شعبان ومحمد ميلود غرافي في مجال الإبداع السردي وأيضا في عمله الجمعوي من خلال جمعيته جمعية أبركان للتراث والثقافة .
عنوان المجموعة كمؤشر أولي للقراءة :
عندما تصفحت المجموعة القصصية لأول مرة أول ما أثار انتباهي هو عنوان المجموعة ‹‹ماروكان ›› تبادرت إلى ذهني وربما إلى أذهان الكثيرين ممن تابعوا عن كثب ، الأحداث الأخيرة في المغرب من احتجاجات وانتفاضات شعبية عظيمة في معظم شوارع المدن المغربية منها حركة عشرين فبراير ، جمعيات المعطلين وغيرها.. ممن رفضوا الواقع المتخلف الذي يعيشه بلدنا مطالبين بالتغيير بأعلى أصواتهم منددين تارة ، وصارخين تارة أخرى، مرددين شعارات ساخرة من الوضع المأساوي الذي يعيشه المغرب ومنها هذا الشعار: (يا سلام على ديموقراطية ماروكان جوع وكان) .
من هنا كانت للكلمة اللاتينية ( ماروكان ) التي اختارها الكاتب عن وعي لتكون عنوانا لمجموعته دلالتها العميقة عن المغرب المتخلف ، المغرب السلبي ، المغرب الغير النافع.
إنها مأساة الجيل الحالي ،إنها الرتبة القاتلة، إنها العطالة عن العمل المهينة لكرامة الإنسان المغربي والممارسة من طرف مسؤولين يعيشون خارج التغطية .
مجموعة ( ماروكان ) تقول كل شيء عن المغرب اليوم ولكنها لا تقول بنفس لغة أرقام الساسة وعلماء الاقتصاد . يقول في إحدى قصصه المعنونة ( بماروكان 4 ): ‹‹هل تكفي عشر سنين لنخوض حرب الجراد وحرب الرشوة والفساد ، وحرب الفقر وحرب التصحر والجفاف ، وحرب الإرهاب ....؟››1
تضم المجموعة 34 نصا قصصيا وهي : جريمة قتل ، ماروكان ويتكرر هذا العنوان إحدى عشرة مرة ، وقوف ، باب أزرق باب أبيض ، من علم الحاوي ، من علم الكهان ، فرح كالحزن ، سقوط ، الوقت ، واقفا مات كالجبل ، جذور ، أصل ، جدي والمصعد ، جدتي والكفن ، كسر ، تذكرني بالجزار ، رماد ، تسخير ، الغربة ، الكأس المرة ، امرأة ، امرأة أخرى ، كآبة ، كتابة .
إن السؤال الأساسي الذي تطرحه هذه العناوين في مجموعة ماروكان هو سؤال الواقع الذي تلفه القتامة والعتمة والكآبة ، سؤال الوطن والهوية والجذور والكرامة ، سؤال الغربة والموت والوجود.
التيمات الأساسية في المجموعة :
تتوزع مداخل العالم القصصي عند محمد العتروس في مجموعته ماروكان بين حضور قوي لتيمة الهجرة هجرة الأدمغة ومعاناتها من أقصى درجات الغربة والإنكسار ، وبين الصورة السلبية عن المغربي في عيون الاجنبي سواء كان هذا الأجنبي غربيا أوربيا أوعربيا ينتمي إلى دول الخليج . هذه الرؤية التي فيها كثير من الشك والارتياب تنعته بأسوأ النعوت ( الفساد ، الشذوذ ، المخدرات ، البطالة ، الإرهاب غيرها........) وبين غيرها من الموضوعات والتيمات ، لكن المدخل الرابط بين كل هذه المداخل هي ثنائية ( الأنا والأخر ) وخطي التوازي بينهما .
نقرأ في نص ماروكان :. صفحة 29 ( كان بوب والغجرية والمرأة والطفل وكلب المرأة والشيخ ينظرون إلي بارتياب قال : معك حشيش ؟
أجبت : نعم معي هذا وأشرت إلى الحقيبة . ثم انقضوا إلى الحقيبة يفتشونها ليجدوا الكتب .) 2
هي تساؤلات تجد مبرراتها في تربة الفضاء الذي تتحرك فيه شخصيات المجموعة تبرز مدى الإحساس بالغربة والضياع في دروب التيه بلا قرار .
حين يتحول الوطن الأصلي إلى منفى .حين يفقد الشاب المتعلم الحاصل على درجة الدكتوراه كرامته عندما لا يجد عملا فيضطر إلى الهجرة إلى بلد اخر باريس / منبع الثقافة والصحو الفكري والوجودي ليصدم مرة ثانية في هذا الوجود المهمش حيث شروط الاعتراف ملغاة وعلى رأسها الهوية .
نقرأفي الصفحة 34 في نص ماروكان 7 الحوار التالي : ( هل هذا الملف يخصك ؟
قلت باندهاش : نعم أين وجدتموه ؟ لقد ضاع مني البارحة
لم يجبني لكنه واصل :
تحمل درجة دكتوراه وتعمل موظف نظافة ؟
لم أجبه ، لكنه سألني في حرقة بادية :
لماذا ؟
قلت : لأنني.......( صمت لحظة ، بلعت ريقي ثم تابعت) ماروكان .
الغربة :
في نص الغربة نكتشف نوعين من الغربة كما جاء على لسان أحمد هي غربة الجسد المتمثلة في ( ملامح الوجه والشكل الخارجي ) غربة الروح تتمثل في (الثقافة ، التقاليد ، الدين ، والوطن ) لكن مفهوم الغربة عند المواطن المغربي الذي يعيش في وطنه هي غربة واحدة لا غربة روح ولا غربة جسد ، لا غربة وطن ولا غربة أهل ، لا غربة فكر لا غربة دين هي غربة الجيب. 3
وهنا تحضرني قولة كونان :
وطني إذا لم يعشقني وأنا الجلف الذميم
كعشق الفتاة لفارسها الوسيم
ليس وطني إنه سجن بقضبان .
الطفولة :
تكاد تيمة الطفولة وشخصية الطفل تهيمن على جل نصوص المجموعة ( جريمة قتل ، باب أزرق ...باب أبيض ، فرح كالحزن ،سقوط ، ماروكان 10 ، كتابة وغيرها ) وتوظف الطفولة هنا لمزيد من تعميق الوعي والإحساس بانتكاسة الواقع كما يقول أحمد بوزفور : ‹‹إن العودة إلى الطفولة أو استعادتها في القصة ، وبالاستعمالات المختلفة السابقة، يمكن اعتبارها من الناحية الاجتماعية رد فعل تلقائيا على التهميش الاجتماعي للكاتب ، كطبقة ، كفئة، وكمهنة، وكفرد .›› 4
فصراع الطفل مع بنية سوسيو ثقافية هي التي أنتجت كبارا يغتالون أحلام الطفولة . نقرأ في نص فرح كالحزن : حزن الأب لأنه لن يشتري لابنه الصغير ساعة مائية
حزن الطفل ولم يبتسم للأم ابتسامة ملء الفضاء
وحزنت الأم لأنها تذكرت طفلها وهي ترى العصفور الصغير يقفز من فوق الشجرة السامقة ) .صفحة 18
السمات الفنية للمجموعة :
على مستوى المرتكزات التي تقوم عليها المجموعة القصصية يجدر الأشارة إلى تسجيل الملاحظات الأتية :
ـ الاحتفاء باللغة / اعتماد الفصحى والاستغناء عن الدارجة .
ـ أسلوب أنيق يرتكز على الوصف الدقيق ويحتفي بالصورة نقرأ : في نص تسخير الصفحة 40 ( على حافة النافورة البهية ، ينبجس الماء في انسياب ، التقى كلب بني ،قوي البنية ، حليق الرأس ، منسوج الوبر ، بكلبة بيضاء ، جميلة ، بهية الطلعة ، متسقة القسمات ، مشعة العينين ، وكلها غنج ودلال .)
ـ انفتاح المجموعة على الشعر : الشعر حاضر كمكون أساسي في هذه المجموعة يظهر ذلك من خلال الحضور المكثف للصور الفنية خاصة التشبيه .
اعتماد شعرية الإيقاع : لعل هذا العنصر الشعري هو أظهر العناصر الشعرية في مجموعة ماروكان شكل الكتابة مماثل لكتابة الشعر : نقرأ في نص من علم الحاوي ؟
كتب :
(من علم الحاوي
العزف على المزمار
من علمه
الرقص مع الثعبان
من علمه
أن السم لا يقتل الإنسان
بل يقتله النسيان ؟ .) صفحة 14
والمجموعة حافلة بأنواع كثيرة مما يمنحها قيمة شعرية عالية منها التطرق لموضوع الموت والوجود كموضوع أثير في المشهد الشعري خصوصا وفي الإبداع الإنساني عموما نقرأ في نص ( وقوف )
(وقف أمام المرأة
استعرض عضلاته ، وقال
ما أقواك
تملى وجهه ، ابتسم وقال
ما أجملك
.........................
.......................
وقف أمام المرآة مرة أخرى
لم يقل شيئا
نظر بحزن وكآبة ، ثم أفل .)5
فالمرآة هنا تعكس الحالتين النفسيتين المختلفتين للشخصية : حالة الابتسام، وحالة الحزن في مرحلتين مختلفتين من عمر الإنسان : مرحلة الشباب والقوة، ومرحلة الشيخوخة والعجز. لتنتهي القصة يالأفول / الموت .
ـ توظيف أسلوب التكرار الذي يجعل الأقصوصة تتحول إلى ما يشبه اللغز أو الأحجية قصة باب أزرق .....باب أبيض صفحة 12
والقارئ لمجموعة ماروكان يلاحظ مواضيع تستلهم التراث والموروث الشعبي من أجل تصوير حي لواقع متصدع وبحث عن الهوية والجذور .
ـ توظيف السخرية والنكات اللاذعة الممزوجة بالمرارة الموجعة التي تشاكس الواقع وتعريه وتبعث على الكأبة والانكسار. .ماروكان 4 5 8 .وغيرها
ـ التقابل : بعض قصص المجموعة تقيم تقابلا بين حدثين مختلفين تماما في قصة فرح كالحزن : هناك تقابل بين الحدث الأول وهو الفرح وبين الحدث الثاني وهو الحزن ثم نجد أيضا قصتين متقابلتين في المضمون كل واحدة تختلف عن الأخرى باختلاف الشخصيات التي تتفاعل داخلها أنظرالصفحتين 48 و 49 نص امرأة ثم قصة امرأة أخرى .
فالمرأة الأولى إيجابية مفعمة بالأنوثة والجمال زوجها يعيش معها في سعادة / الجنة والواقع الخارجي بالنسبة له هو الجحيم حيث لا مكان لها فيه .أما المرأ ة الثانية أو الأخرى كما يسميها الكاتب فهي عكس الأولى هي امرأة سلبية غير مرتبة منفوشة الشعر وزوجها يجد السعادة في الخارج / الجنة والجحيم هو الذي ينتظره معها .
ـ تقنية الصمت . التي يعبر عنها من خلال البياض فحجم أغلب النصوص قصير جدا لا تخلو من نقاط الحذف وتتخذ نهايات مفتوحة .
والملاحظ أن الكاتب عمد إلى خرق العمود القصصي الكلاسيكي في جل نصوص المجموعة مما أفضى إلى إنتاج نصوص متحررة وأخرى قصيرة جدا كأننا أمام شعر الهايكو ، نصوص منفلتة ومراوغة لا تقدم جوابا شافيا .
في مختصر نظرنا أن مجموعة ماروكان ليست فحسب نصوصا سردية قصصية لبعض مظاهر الحياة اليومية للمثقف المغربي ماروكان الشخصية المهيمنة على المجموعة لأنه لا يكتفي بتصوير حالات اليأس ولاإحباط والمعاناة والاغتراب الثقافي والمعاناة التي يكتوي بسعيرها بل يعد ذلك إدانة صريحة لواقع مغربي هو المسؤول الأول والأخير عن الوضعية الخطيرة والمأساوية التي آل إليها شباب المغرب في مستقبله المفقود .
وتبقى الكتابة عند محمد العتروس منغمسة في الواقع مشدودة إلى أسئلة الراهن فالصور والمشاهد السردية وذلك النفس الشعري الواضح في اللوحات الوصفية كل ذلك يوحي بجذرية الرفض والنقد .مما يجعل منها نصوصا أدبية تستحق القراء ة والانتباه .
الهوامش:
1ـ ماروكان مجموعة قصصية للكاتب محمد العتروس منشورات ديهيا صفحة 20.
2ـ المصدر نفسه صفحة 29
3ـ المصدر نفسه صفحة 43
4ـ الزرافة المشتعلة قراءات في القصة المغربية الحديثة للكاتب والباحث أحمد بوزفور نشر مؤسسة المدارس الدار البيضاء 2000 صفحة 29.
5ـ ماروكان صفحة 11..