الثلاثاء، 27 نوفمبر 2012

هداية في حانة /:بقلم إسماعيل علالي


هداية  في حانة


:بقلم إسماعيل علالي

ألف ارتياد تلك الحانة المقابلة لبرج إيفل كل مساء، وألفته الحانة  بكؤوسها ونبيذها

وشخوصها وشموعها التي أضفت عليها تراتيل جاك بريل،ولارا فابيان جاذبية

ورومانسية، وكان كلما دخل الحانة ، بادرته الساقية جاسمين  بكأس معتقة، وترحيب

عذب عذوبة لكنتها الإيطالية، فهي طالبة في الجامعة الفرنسية للغات، و تعمل ساقية في

 أوقات الفراغ لتوفير حاجاتها المختلفة ،وقد عودها أنيس  كلما لعبت الخمرة برأسه،

أخذ يدها اليسرى بلين إلى لهيب الشمع، فتطاوعه في رغبته حتى تحس بريح النار تبغي

إحراق أناملها فتبعد يدها الماسية وتمازحه بصوت معاتب:

-ويحك يا عربيد ....

-كررتها مرة  ثالثة وكدت تحرقني...

-الذنب ذنبي  مادمت أنساق لطيش حماقاتك...

-ويرد بألفاظ متعثرة تأبى  السقوط من فيه: إن نار جهنم أشد حرقة لو تعلمين....وإني

لأبكي دما حين أرى مثل هذه الروح  البريئة تسير دون وعي نحو الجحيم....

فتتعجب من مقولته و يخونها فهمها الذي صار يتخبط في التيه كلما سمع هذه اللازمة.

ومع كثرة تكراره لنفس الفعل والقول، بدأت جاسمين تسائله،أملا في فك شيفرة تلك

الطلاسم،إلا أنه كان يرجئ الإجابة بدعوى أن كثرة النبيذ قد غيبت عقله وحجبت عنه الفهم

والتفهيم وأن الجواب عن سؤالها موطنه الكتاب-هكذا بإطلاق-.

فقررت جاسمين  بعد عجزها عن فك طلاسم أقواله البحث عن هذه النار وهذا الجحيم الذي

ستؤول إليه ، فبدأت تبحث في الكتب والشابكة عن مصير الإنسان بعد الموت، فوجدت

ضالتها صدفة في محاضرة مصورة للشيخ أحمد ديدات مترجمة إلى الفرنسية،

فانبهرت بقوة البرهان والاستدلال عند أحمد ديدات مما دفعها إلى شراء أناجيل وقرآن ،

فبدأت بقراءة ترجمة القرآن كل يوم وعقد مقارنة بينه وبين الأناجيل ظنا منها أن الإجابة

التي تطلبها تتأتى عن طريق المقارنة، وأثناء قراءتها المتأنية للترجمة  القرآنية

استوقفتها  صورة بلاغية اقشعر له بدنها، إنها المعنى الذي طالما انبهم عليها  في

 الحانة، إنه الدليل الذي تبحث عنه ،إنه الدواء الشافي لمسألتها، فتبسمت باكية وقد

حضرها قوله وفعله،وقالت:

-كاد جهلي وإلحادي يقتلني لولاه، فقد ظننت ناره تكويني بينما كانت سببا لإحيائي وإعادة

 تكويني...

فهرولت مسرعة إلى الحانة -بعد غياب ليس باليسير- وكانت رغبتها في لقائه هي دافعها

لدخول الحانة-بعد عزمها اعتزال هذه العوالم التي لم تعد تنتسب إليها-  بغية شكره وإبلاغه 

بما حصل معها، وكذا لتطلب منه التوبة و بيان كيفية إعلان شهادة التوحيد، فقد تبين لها

أنه كان مسلما سلبت الغربة  منه إيمانه وعقيدته، لكنها-للأسف-  لم تجده ، فقد أخبرها

 رب عملها بأنه وجد ميتا في بيته جراء نوبة قلبية.



 
Design by Free WordPress Themes | Bloggerized by Lasantha - Premium Blogger Themes | Best Buy Coupons تعريب : ق,ب,م